ربما تساهم الجولة الأوروبية للرئيس جو بايدن في إعادة تلميع صورة أميركا في القارة القديمة، التي لطالما كانت حليفة مطلقة للولايات المتحدة، لكنها شهدت خلال ولاية دونالد ترامب انقسامات وعلاقات حذرة مع «الأخ الأكبر»، بل ارتياباً حيال سياساته. لذلك فإن «عودة أميركا»، التي يبشّر بها الرئيس الجديد، قد لا تتم بالسلاسة التي يتصوّرها أو قد تكون مبالغة في الطموح، خصوصاً أنه لم يتخلَّ كلياً عن إجراءات كان اتخذها سلفه وأثار بها استياء الأوروبيين. ربما لعبت الصدفة (انعقاد قمة الـ7) في تحديد رحلته الخارجية الأولى في بريطانيا، لكن تفعيله التحالف معها بـ«اتفاق أطلسي»، كتحديث لـ«اتفاق روزفلت –تشرشل» (عام 1941)، مثّل إشارة إلى أن أميركا لا تزال تعتمد حلفَها الثنائي مع بريطانيا كركيزة أساسية في نفوذها وقيادتها للنظام الدولي، وتحديداً في مواجهتها مع الثنائي الآخر، الصيني الروسي. 
من الواضح أن الرئيس «الديمقراطي» تجاوز فتوره السابق إزاء عملية «بريكست» وبات متعايشاً مع انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي كأمر واقع لا عودة عنه. لكن من الطبيعي أن ينعكس ذلك على «الحلفاء» أو «الشركاء» الأوروبيين الآخرين، الذين لم يفاجأوا بتجديد «الحلف الثنائي» لكنهم يتوقّعون «إدارةً» منقِّحة للتعامل الأميركي معهم، تحديداً في المجالين التجاري والدفاعي. ليس مؤكّداً أن تساهم القمم الثلاث («الدول الـ7» و«الناتو» والأميركية الأوروبية) في تبديد الإحباطات التي خلّفتها سياسات ترامب، إذ كانت زيادة الضرائب قد اضطرّت الأوروبيين إلى زيادة الانفتاح على الصين، كما أن التلويح بتقليص الالتزامات الأميركية دفعهم إلى التفكير (حتى بمشاركة بريطانية) في أطر بديلة أو موازية لـ«الناتو». وإذ يرحبون بما ظهر حتى الآن من نهج بايدن وباستئناف العمل كمنظومة غربية متوافقة على «قيم الديمقراطية»، فإن الشكوك تراودهم بالنسبة إلى مصالحهم مع احتدام التنافس الأميركي الصيني.
تدرك الأطراف جميعاً أن «العالم تغيّر»، وفقاً لعبارة بايدن، بما في ذلك النظرة إلى أميركا وقيادتها. ربما لا تحتاج أوروبا إلى مَن يحفّزها ضد روسيا بسبب النهج البوتيني وأزمة أوكرانيا، أو ضد الصين بسبب مسؤوليتها المحتملة عن تفشّي وباء «كوفيد-19»، لكن الأوروبيين مع سائر العالم يتطلّعون إلى أن تكون أميركا في اندفاعها إلى مصالحها حريصةً كذلك على مصالح حلفائها وأصدقائها، وإلا فإنها لن تستعيد اصطفافهم معها واستعدادهم لمواكبتها ومؤازرتها، ويتطلّب ذلك أن تكون سياساتها قويةً بوضوحها وفاعليتها وبتطابقها حقّاً مع قيم المساواة والعدالة، لا مع استدامة الكيل بمكيالين. 
باتت المواجهة الغربية مع روسيا تمزج بين أساليب من «الحرب الباردة» وبين «الحرب الإلكترونية» كنمط مستحدث، لكن كلفتها البشرية تكمن في «الحروب بالوكالة» التي تدفع ثمنها شعوبٌ ودول صغيرة، ويجري الإبقاء عليها كبديل عن الحروب المباشرة بين الدول الكبرى. وإذ تبدو المواجهة الأميركية مع الصين تجارية عموماً، إلا أن استشراف آفاقها يظهِر زحفاً خطيراً نحو الحيّز العسكري. إذاً فالتعددية القطبية لم تأتِ للعالم بأي حمولة سلمية ولا تبشّر بأي تغيير جوهري في العقلية السياسية ونوازع الهيمنة. ثمة اختبارات حيوية يمكن أن تتمايز بها «عودة أميركا» وأن تصنع فارقاً، منها مثلاً تصحيح التوظيفات الأميركية لإسرائيل وإيران وتركيا بالنسبة لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط وأزماتها. 

*كاتب ومحلل سياسي -لندن