من المحتمل أن يكون العام الماضي قد شهد أكبر ارتفاع في عنف السلاح في أميركا خلال عام واحد منذ 50 سنة مضت، وهو الأمر الذي نتج عن زيادة حادة في عمليات إطلاق النار بعد بدء جائحة كورونا.
ورغم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) لن ينشر الأرقام الرسمية حتى الخريف، يعتقد «باتريك شاركي»، عالم الاجتماع في جامعة برينستون في نيوجيرسي والخبير في جرائم العنف، أن معدل القتل على المستوى القومي ارتفع بما يتراوح بين 25 و30%. ويقول «شاركي» إن معدل حوادث إطلاق النار غير المميتة قفز أكثر من ذلك، حيث تضاعف في العديد من المدن.
وفي خضم محادثة وطنية حول حفظ الأمن، تضيف الزيادة ضغطاً على صانعي السياسات على المستويات المحلية والفيدرالية وعلى مستوى الولايات. ويحذر الخبراء من أنه في حين أن إنفاذ القانون جزء حيوي من السلامة العامة، فإن الشرطة يجب أن تكون جزءاً من حزمة حلول شاملة. وهناك طرق تم اختبارها جيداً لتقليل العنف، لكن تنفيذها على نطاق واسع يتطلب الصبر والاستعداد لتأمل الروايات السياسية السابقة والاستفادة منها.
ويقول «توماس أبت»، مدير اللجنة الوطنية للعدالة الجنائية ومكافحة «كوفيد-19» في مجلس العدالة الجنائية: «عنف المجتمع باستخدام الأسلحة النارية، والذي يقود هذا الاتجاه في واقع الأمر، ليس هو التحدي المستعصي الذي يظنه الناس.. فقد نجحنا عملياً في الحد من هذا النوع من العنف عدة مرات وفي العديد من الأماكن في جميع أنحاء البلاد. وكان التحدي هو الحفاظ على هذا النجاح».
وبلغة الأرقام، لا يزال مستوى عنف السلاح أقل بكثير من ذروته في أوائل التسعينيات، حيث تراجعت بعد ذلك عمليات إطلاق النار في جميع أنحاء الولايات المتحدة حتى عام 2014، عندما بدأت الأرقام تتزايد تدريجياً.
ووفقًا لتقرير شاركَ «أبت» في كتابته، في يناير الماضي، وقد أخذ عينات من 34 مدينة أميركية رئيسية، فقد بلغ معدل جرائم القتل في عام 2020 نحو 11.4 حالة وفاة لكل 100.000 ساكن، مقارنةً بـ19.4 حالة وفاة لكل 100.000 ساكن في عام 1995.
وعلى العموم، لا يوجد تفسير متفق عليه حول انخفاض العنف على مدى عقود. ولا يوجد سبب واضح لهذا الارتفاع العام الماضي. ومن المحتمل أن يكون السبب هو الوباء والاضطرابات الاجتماعية رداً على قسوة الشرطة.
وتساعد المؤسسات المجتمعية، مثل الكنائس والمدارس وأماكن العمل، في الحد من العنف عبر إبعاد الناس عن الشوارع والتواصل مع مجتمعاتهم، كما تقول «إليزابيث جليزر»، المديرة السابقة لمكتب العدالة الجنائية التابع لبلدية مدينة نيويورك. وعندما تنهار تلك الهياكل، «يؤدي ذلك إلى تفاقم الشعور بالاغتراب وعدم المساواة، ومن ثم تتكون الظروف الملائمة لظهور العنف»، على حد قولها.
وعلى سبيل المثال، فإن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم منعزلون عن الشرطة قد يختارون حمايةَ أنفسهم، ليس عن طريق الاتصال بجهات إنفاذ القانون، وإنما عن طريق شراء سلاح ناري، كما فعل الأميركيون بأرقام قياسية منذ العام الماضي.
ويقول «جيفري بوتس»، مدير مركز الأبحاث والتقييم في كلية جون جاي للعدالة الجنائية بجامعة مدينة نيويورك: «الفيروس لا يتسبب في إطلاق النار، لكنه يتسبب في اضطراب اقتصادي وإغلاق ثقافي، مما أدى في أميركا إلى وقوع حوادث إطلاق النار».
وفي حين أن شدة الوباء قد تضاءلت في الولايات المتحدة وتراجعت احتجاجات العام الماضي، فإن العودة إلى الوضع العادي ليست حتمية. يقول شاركي: «كانت هناك مجموعة من العوامل التي تضافرت على الأرجح لخلق موجة العنف هذه العام الماضي، ولكن عندما تختفي هذه العوامل، لا يعني ذلك بالضرورة أن العنف سيعود إلى المستوى الذي كنا عليه في عام 2019». وتميل عمليات إطلاق النار إلى الزيادة في الصيف، مما يجعل الانخفاض الفوري غير مرجح، كما يقول «شاركي» الذي يوضح أيضاً أن العنف يجلب العنف، أي أن كل إطلاق نار يزيد احتمالية إطلاق النار مرة أخرى.
كما كان من شأن تداعيات احتجاجات حركة «حياة السود مهمة» في العام الماضي، ووقف تمويل حركة الشرطة، أن تزيد الأمور تعقيداً. لقد ساعدت الشرطة في الحفاظ على الشوارع أكثر أماناً، لكنها تأتي بتكاليف مالية واجتماعية عالية، وفقاً لـ«شاركي». لكن من دون إصلاح شامل، كما يقول، يمكن أيضاً أن تصبح المدن أقل أماناً، وذلك حين «تتراجع الشرطة دون وجود مجموعة من المؤسسات التي يمكنها التدخل».
ويتفق معظم الناس على أن التقدم المستدام يتطلب استجابة سياسية قوية، لكن الإجماع ينتهي عند نوع الاستجابة اللازمة. وهنا تقول «جليزر» إن الخطاب حول السلامة العامة قد تحول إلى حد كبير إلى خيار زائف، إما لدعم الشرطة أو لمعارضتها. لكن السياسات الفعالة لا تتناسب تماماً مع الأنظمة الأساسية اليسارية أو اليمينية.

 

 
 نوح روبرتسون*

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع  «كريستيان ساينس مونيتور»

خدمة «نيويورك تايمز»