هل نضجت الظروف الداخلية والخارجية ليستكمل محور الممانعة هيمنته على النظام اللبناني، بعدما ابتلع الدولة؟ بات هذا السؤال يطرح في العلن، وفي الكواليس، داخل البلد وخارجه. ونظن انطلاقاً من مؤشرات عينية واستقراءات متصلة بسلوك «حزب الله»، وكذلك بممارسات تيار الرئيس عون خصوصاً، يمكن قراءة ما وراء ما يجري وما يحضَّر له. فإذا كان «حزب الله» وحلفاؤه من «التيار الوطني الحر» يتمتعون بالأكثرية النيابية الراهنة، فيعني هذا أنهم لن يسمحوا بانتزاع هذه الأكثرية منهم. والكل يعرف أن الحزب احتل موقعاً متقدماً في اختراق الدولة بأجهزتها، وحكومتها، وقراراتها، وأن أزمة تأليف الحكومة الراهنة، ليست بالضرورة مرتبطة بالصراع بين الرئيس عون والحريري فقط، بل أبعد من ذلك، ونظن أن الحزب، ارتباطاً بأجندته الخارجية، هو المسؤول الأول والأخير عن تعثر هذا التأليف. فالقرار في يده. وتنصله من المسؤولية وزعمه أنه حَكَم «نزيه» بين الحريري والرئيس عون، لا يقنع من تابع تاريخَه. هذا ما فعله في اختيار رئيس الجمهورية عندما أوقع البلد في الفراغ الرئاسي نحو سنتين ونصف السنة، وهو يكرر المعزوفةَ ذاتَها، زاعماً أن الاختلاف على اختيار الرئيس بين المرشحين الموارنة وليس عنده.
وإذا تفحّصنا مآل المؤسسات الرسمية الراهنة من حكومية إلى نيابية، إلى عسكرية وأمنية واقتصادية.. نجد أنها تخضع بشكل أو بآخر لسطوة الحزب الذي اخترقها اختراقاً كبيراً، كالجيش والقضاء بأشكاله، والقرار المالي، وحتى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وقرار الحرب والسلم.. فهو المرجعية الأولى الحاسمة!
ومن تابع فصول الوقائع والتحقيقات منذ تفجير مرفأ بيروت، مروراً بتأليف الحكومة، وانهيار الأمن الغذائي، والاقتصادي، والتربوي، والاجتماعي، والتعليمي، والطبي.. يدرك من دون عناء أن كل ذلك تم بمنهجية واضحة تخدم مشروعه. فالشعب مشغولٌ بلقمته، والشباب عاطلون عن العمل، وهاجس الناس البحث عن البنزين والأدوية.. وهذه كلها مؤشرات وبينات استدلالية على تقدمه في مشروعه.
وإذا كان بعضهم يراهن على أن الانتخابات النيابية المقبلة، ستغير المعادلة وتقلب الأوضاع لمصلحة المعارضة، فهو رهان افتراضي غير مضمون. ذلك، لأن الذين «يؤكدون» أن هذه النتائج ستخلع الحزب عن عرشه، يقعون في حسابات ذاتية تنقصها الموضوعية والرؤية السديدة. حتى ولو حدثت اختراقات ما في نتائج الانتخابات المقبلة، فستكون محدودة الأثر، ولا تهدد مشروعه، بل نظن أن الحزب هو الذي يراهن على الانتخابات التي ستكون الفرصة المثلى لتغيير النظام، في حال انتصاره هذه المرة. ولو افترضنا أن حسابات المعارضة صحيحة للفوز في الانتخابات، فسيعمد الحزب وحلفاؤه إلى تأجيلها بطرق أمنية، أو بذرائع تغيير قانون الانتخابات أو الزعم بأن الظروف لا تسمح بإجرائها الآن.
أما المعارضة الحالية، فمنقسمة انقساماً حاداً، وبدا أن أولوياتها مرتهنة بانتصارات أو نقاط على بعضها، حتى أنها غير متفقة على قانون انتخابي واحد، وعلى تشكيل الحكومة أو عدمها، أو على التسوية، أو النزول إلى الشارع وعدمه.. بل حتى على سلاح «حزب الله»!
المواجهة غير متكافئة، ليس فقط لأن الحزب يمتلك فائض قوة، بل لأن المعارضة رهن هواجس متناقضة وعشوائية.
ونقول هنا، لا تنفع الأناشيد الوطنية، ولا ينفع الاستجداء بالخارج ولا بالتظاهرات، بل ما ينفع أولاً وأخيراً هو العودة إلى ما يشبه 14 آذار، أي تشكيل جبهة وطنية «لا مذهبية» تواجه الحزب بتحركات كثيفة، واضحة الأهداف.. ومن خلال ذلك، يمكن التوجه إلى الخارج.
عدا ذلك، فالحزب ماضٍ في نسف النظام بعدما ابتلع الدولة.