التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالعاصمة الإيطالية روما يوم 27 يونيو الماضي مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، في وقت قررت فيه حكومتاهما الجديدتان ترك الخطاب المتطرف والسياسات الشرسة التي أشعلت خلافاً بين الأنصار في البلدين تحت حكم سلفيهما. 
وقال لابيد لبلينكن: «خلال السنوات القليلة الماضية، ارتُكبت أخطاء»، مضيفاً: «وتضررت مكانة إسرائيل تجاه الحزبين. ولكننا سنُصلح تلك الأخطاء معاً». 
وقال أيضاً: «ستكون لدينا خلافات، ولكنها خلافات لا تتعلق بالجوهر، وإنما بكيف نصل إلى الهدف»، مضيفاً: «إننا نريد الأشياء نفسها، وأحياناً نختلف بشأن كيف نصل إليها». 
وإذا كان يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو متفقان حول معظم الأشياء، فإن المواقف القومية التي تبناها الزعيمان قسّمت هيئتيهما التشريعيتين ومواطنيهما. 
ففي إسرائيل، المعتادة على دعم أميركي واسع من الحزبين الرئيسيين يتجاوز السياسة، والذي لطالما اعتمدت عليه، كانت السنوات الأربع الماضية مزعجة للكثيرين. 
«لابيد» سياسي إسرائيلي وسطي شكّل حكومة ائتلافية مكونة من تشكيلة واسعة من الأحزاب اليمينية واليسارية التي توحدت في رغبتها في التخلص من نتنياهو. ووفق اتفاق بينها، سيقوم الزعيم اليميني نفتالي بينيت، الذي تسلم المنصب قبل أسبوعين، بالتنحي جانباً كرئيس للوزراء لصالح لابيد بعد عامين. 
ولكن، وعلى غرار إدارة بايدن، يحكم الائتلافُ الإسرائيلي الواسع بأغلبية ضئيلة وتحت ضغط من اليمين واليسار. 
الحكومتان تبنيتا بسرعة نبرة جديدة في وقت تسعيان فيه إلى التقدم إلى الأمام بدلاً من النظر إلى الخلف، وتعهدتا بمناقشة خلافاتهما بنية حسنة، وفي المجالس الخاصة بعيداً عن أضواء وسائل الإعلام. 
وقال بلينكن: بينما جلس الفريقان قبالة بعضهما البعض في غرفة اجتماعات في أحد فنادق روما: «كلانا حديثا العهد بالمنصب نسبياً». ولكن «الأساس الذي نشتغل عليه هو أساس شراكة دائمة، وعلاقة دائمة، وصداقة دائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل... بناء على مجموعة من القيم المشتركة والمصالح المشتركة». 
وأشار إلى أنهما تحدثا خلال زيارة بلينكن إلى إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، قبل تشكيل الحكومة الجديدة، وقال إنهما كانا «على تواصل عبر الهاتف منذ ذلك الوقت. وأعتقد أنك ستجد في وقت قريب أن علبة الرسائل الواردة قد امتلأت بسرعة».
وكان «لابيد» طار إلى روما للالتقاء مع بلينكن، الذي أتى إلى العاصمة الإيطالية من أجل اجتماعات متعددة الأطراف حول سوريا وتنظيم «داعش»، ولحضور اجتماع لوزراء خارجية مجموعة العشرين. 

ولكن إلى جانب الجو الودي والوعود بخفض التصعيد بشأن بعض المواضيع، هناك بعض الخلافات السياسية الجدية بين الجانبين.
فعلى رأس أجندة محادثاتهما التي دامت ساعة، والتي أجريت وراء أبواب مغلقة عقب تصريحات في بداية اللقاء في حضور الصحفيين، كانت هناك المفاوضات الأميركية مع إيران حول عودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي وُقّع في عهد إدارة أوباما- بايدن وتخلى عنه ترامب. وإسرائيل، تحت حكم نتنياهو والحكومة الجديدة، تعارض بشدة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، محاججة بأن التصور الذي يقوم عليه الاتفاق إنما ينم عن سذاجة وأنه لا يمكن الوثوق في أن إيران لن تقوم بصنع سلاح نووي. 
وقال لابيد في هذا السياق: «إن لدى إسرائيل بعض التحفظات الجدية بشأن الاتفاق الإيراني الذي يتم التفاوض حوله في فيينا»، ولكن «نعتقد أن الطريق لمناقشة تلك الخلافات هو عبر محادثات مباشرة واحترافية، وليس في المؤتمرات الصحفية». 
ويذكر هنا أن الرئيس جو بايدن يرى أن العودة إلى الاتفاق هي الطريق الأفضل للسيطرة على طموحات إيران النووية. وتنفي إيران الرغبة في صنع سلاح. 
وفي غضون ذلك، وبتعليمات من بايدن، نفّذت القوات العسكرية الأميركية مساء الأحد ضربات جوية ضد منشآت تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران في الحدود العراقية- السورية، وفق وزارة الدفاع الأميركية. واستهدفت الضربات منشآت تخزين الأسلحة والعمليات في موقعين في سوريا وموقع في العراق، وكلاهما يوجد على مقربة من الحدود بين البلدين.
وخلال لقاء بلينكن مع لابيد، أطلع وزير الخارجية الأميركي نظيره الإسرائيلي على وضع المفاوضات، مكرراً تعهد الإدارة الأميركية بإبقاء إسرائيل على اطلاع تام على وضعها ومحتواها. وكان كبير المفاوضين الأميركيين روبرت مالي أجرى محادثات مع الإسرائيليين خلال ست جولات من المفاوضات منذ أبريل الماضي. 
كما عبّر بلينكن لنظيره الإسرائيلي عن عدم رضا الولايات المتحدة عن عمليات الهدم الإسرائيلية لمنازل فلسطينية في القدس الشرقية، التي أشعلت في الربيع الماضي أحدث جولة من القتال بين «حماس» في غزة وقوات الجيش الإسرائيلي وأسفرت عن مقتل المئات. 
ودعا إلى تدابير أسرع وأشمل لمعالجة ما ترتب عن ذلك من احتياجات إنسانية وأخرى تتعلق بإعادة إعمار. 
وفي تصريحاته العلنية، أشار بلينكن إلى «حاجة عاجلة» لـ«عمل آمل أن يتم من أجل... توفير مستقبل مفعم أكثر بالأمل للجميع، فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء، مع تدابير فرص متكافئة».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»