عندما كانت «ريتا فيرنر» فتاة تترعرع في شمال غرب ألمانيا، كانت والدتها تتحدث معها دائماً عن بلاط الأرضية في البيت. وتقول فيرنر: «والدتي أخبرتني بأنه إذا بدأ البلاط يبتل ولم يجف، فاعلمي أن المياه الباطنية قد بدأت ترتفع، وأن العاصفة قادمة».

وبعد ست سنوات، عادت العاملة الاجتماعية المتخصصة في رعاية الأطفال إلى منزل طفولتها في كومرن، وهي بلدة تبعد بحوالي 50 كيلومتراً عن مدينة كولونيا. بلاط الأرضية الآن بات مسؤوليتها. وقبل أخبار الأسبوع الماضي التي أفادت بأن عاصفة كبيرة في الطريق، بدأت فيرنر بجمع الكتب والأشياء القيّمة، ونقلها من القبو إلى الدرج العلوي، ثم سرعان ما بدأ البلاط يبتل. الفيضانات التي دمرت مناطق في ألمانيا، وأجزاء أخرى من أوروبا كانت أكبر مما سبق لأي شخص أن عاشه – أو تخيله. فيرنر، التي كانت في وسط واحدة من أكثر المناطق تضرراً في ألمانيا، أحضرت مضخة إلى القبو لشفط المياه، ولكن في غضون نصف ساعة، «غمرت مياه بنية اللون الشارع. وحينها تحول الشارع إلى نهر»، كما تقول، ما أدى إلى انهمار مياه في قبو منزلها ناهز ارتفاعها 1,80 متر، وتدمير جسر البلدة. قتلت الفيضانات قرابة 200 شخص في ألمانيا وبلجيكا – في وقت ما زال فيه عمال الإنقاذ يبحثون عن مزيد من الضحايا – ودمّرت أجزاء من هولندا وسويسرا ولوكسمبرج.

وبينما يحزن الناس على موتاهم ويشرعون في التنظيف، يتساءل البعض ما إن كانت أوروبا مجهزة بما يكفي للتعاطي مع الظروف المناخية المتطرفة، غير أن الشعور الغالب بين الكثيرين هو شعور عميق بالامتنان على روح التآلف والتضامن التي سادت لمساعدة الناجين، ومواكبتهم عبر الدمار الهائل والنادر الذي خلّفته الفيضانات.

ويقول باتريك بولر، المتحدث باسم «ماليتزا»، وهي منظمة إغاثة كاثوليكية دولية أرسلت ملايين اليوروهات من التبرعات، خلال الأيام القليلة الماضية: «لقد تلقينا كماً هائلاً من عروض المساعدة خلال اليومين الماضيين»، مضيفاً «إننا نتلقى عروضاً متواصلة للتبرع والمساعدة بأي طريقة ممكنة. فالناس يريدون التبرع بأشياء أو بالجهد، أو حتى بالمال. ونحن فخورون للغاية بمجتمعنا».

وتقول فيرنر: «أشعر بالقشعريرة في بدني عندما أفكر في كيف أن الجميع يقوم بمساعدتنا: إن روح التضامن والتآزر مذهلة حقا»، مضيفة «لقد أخذت جارتَيْ يومين كإجازة من العمل غداً... وستأتيان لمساعدتي على تنظيف قبو منزلي من الوحل.

وعبر تويتر، تلقيتُ الآن فقط رسالة من غريب من أوفنباخ يقول لي فيها إنه سيجلب لي أجهزة لإزالة الرطوبة غداً وأجهزة أخرى لشفط الوحل المياه الموحلة». مشاهد مماثلة عاشتها بلجيكا، التي شهدت يوم حداد وطنياً يوم الثلاثاء الماضي حزناً على الـ31 شخصاً الذين قضوا في ظروف مناخية متطرفة.

وقد كان تدفق المساعدات ومبادرات التضامن في البداية قوياً جداً لدرجة أن «الصليب الأحمر البلجيكي» اضطر لأن يطلب من الناس الكف عن جلب قطع الملابس والسلع المنزلية حتى لا ينشغل المتطوعون بفرزها وترتيبها، ويستطيعوا التفرغ للمساعدة حيثما كانت هناك حاجة للمساعدة.

وفي لييج، التي تُعد ثالث أكبر مدينة في بلجيكا، فازت امرأة بقلوب الناس خلال نهاية الأسبوع عندما نظّمت جيرانها لتوزيع قرابة ألف فطيرة، لأنها لا تستطيع المساعدة جسدياً في إزالة الأنقاض والتنظيف. وكذلك فعل أعضاء الجالية الأفريقية الشمالية الذين جلبوا حلويات للمنخرطين في أعمال التنظيف. وشكّل الحاكم خلية خاصة للمساعدة على تنظيم جهود التطوع والتبرعات. ومع تحسن الظروف الجوية هذا الأسبوع أتت الإغاثة، ولكن الصدمة أيضاً من حجم الكارثة.

وقد أثارت الحصيلةُ المرتفعة للقتلى في ألمانيا، وهي دولة غنية غير متعودة على الكوارث الطبيعية، أسئلة صعبة بشأن قدرة الاتحاد الأوروبي على التنبؤ بالظروف المناخية المتطرفة على نحو متزايد ومواجهتها – والتواصل بشكل ملائم مع السكان، وتوضيح المخاطر لهم. وفي الأثناء، سارع عدد من السياسيين الألمان إلى إلقاء اللوم على «تغير المناخ» – وهو اعتراف بالمشكلة يعتبره النشطاء مرحّباً به وطال انتظاره.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين إن قوة الفيضانات وطولها يقدمان «مؤشراً واضحاً على تغير المناخ، وإن هذا شيء يُظهر حقاً ضرورة التحرك بسرعة». وكان «النظام الأوروبي للتوعية بالفيضانات» أصدر تحذيراً مبكراً من خطر فيضانات قوية بداية الأسبوع الماضي، ولكن على المستوى الوطني، جاءت الرسائل الهاتفية التي تحمل تحذيرات بضرورة الإخلاء، وجهود التنسيق متأخرةً في بعض الحالات.

لينورا تشو*

*صحفية متخصصة في الشؤون الأوروبية والصينية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»