قبل الحديث عمَّا حُشيت به قصة «مقتل الإمام الحُسين» مِن تمييز تجاه السُّود وغير المسلمين، وتُقرأ هذا اليوم(العاشر مِن محرم) مِن كلِّ عام، نأتي على تاريخ كتابة القصة، التي أوردها المؤرخون، بين إيجاز وتفصيل. جاءت مسهبة في «تاريخ الأُمم والملوك» للطَّبري(ت: 310هجرية)، و«مقاتل الطَّالبيين» للأصفهاني(ت: 356هجرية)، وموجزة عند اليعقوبي(ت: 282هجرية) في «تاريخ اليعقوبي»، وابن كثير(ت: 774هجرية) في «البداية والنِّهاية».. إلخ. 

جاءت في كتاب خاص عنوانه «مقتل الحُسين» للموفق الخوارزمي(ت: 568هجرية)، وكتبها علي بن طاوس(ت:664هجرية) في «اللُّهوف في قتلى الطّفوف»، ومِن المعاصرين أعاد كتابتها عبد الرَّزاق المقرم(ت: 1971) في «مقتل الحًسين أو حديث كربلاء». 

أخذت الإضافات تدخلها، وهذا ما انتقده حسين النُّوري(ت:1805م)، في «اللُّؤلؤة والمرجان في آداب المنبر»، ومرتضى مطهري(اغتيل: 1979) في «الملحمة الحُسينية»، والاثنان انتقدا ما أضيف في قصة المقتل المعنونة «روضة الشّهداء» للكاشفي(ت:1504م)، التي صُنفت وقُرأت في العهد الصَّفوي(1501-1723م). فمما زاده الكاشفي، رواية عرس سُكينة بنت الحُسين وابن أخيه القاسم بن الحَسن، وما جادت به مخيلة المؤلف، كذلك انتقد مطهري عودة الرُّؤوس مِن الشَّام إلى كربلاء. 

لا فقيهاً لم يتعاطف مع الحُسين، لكن إذا الإمامي النَّاقد للممارسات يواجه بتعصب(محسن الأمين وهبة الدِّين الشَّهرستاني مثلاً)، فكيف بالفقيه الآخر الذي يرى ما يراه الإمامي في تنزيه المناسبة مما يخرجها عن المعقول؟! حتماً سيُشار إليه بـ«النَّاصبيِّ»! أمَّا قول الفقيه المالكي ابن العربي(ت: 543هجرية) في الحُسين: «ما خرج إليه أحدٌ إلا بتأويلٍ، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا مِن جده المهيمن على الرُّسل»(العواصم والقواصم)، يقصد «تفريق الأُمة»، فعاد ليقول: «ويا أسفاً على مصيبة الحُسين ألف مرة»(نفسه). غَلطَ ابن خلدون(ت:808هجرية) ابن العربي، وهو مالكي أيضاً، لقوله «الحُسين قُتل بشرع جده»: «غلط حملته عليه، الغفلة عن اشتراط الإمام العادل»(مقدمة ابن خلدون). 

تتُلى قصة «مقتل الحُسين»، وفيها، حتَّى اليوم، ما لا يُليق بعصر الانفتاح على جهات العالم الأربع، فعندما يُذكر اسم جون مولى أبي ذر، الملتحق بالحُسين، يُقال على لسانه ومن فوق المنابر: «إن ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني أسود، فتنفس عليَّ الجنة ليطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض لوني»(المقرم، مقتل الحُسين). فكيف يسمى الحُسين بـ«أبي الأحرار»، بينما يُكرس في يومه التَّمييز العنصري؟! فيُوصف أحد أنصاره بالنَّتانة واللُّؤم، لأنه أسود؟! أجدها مفارقة، أنَّ الذين يُرددون قول «جون»، احتفوا بإطلاق سراح النَّيَجيري إبراهيم زكزكي، الدَّاعي للثورة الإسلاميَّة ببلاده السَّوداء، بمقاسات ولاية الفقيه! 

أمَّا التّمييز الدِّيني، وأتى به القدماء والمعاصرون، مِن كتبة واقعة الطَّف، فلا يقل عنصريَّةً، فعندما يطلب الحُسين الماء ولا يُعطى، يُناشد القوم: «ويلكم دعوتم أَهل بيت نبيكم، وزعمتم أنَّكم تقتلون أنفسكم مِن دونهم، حتى إذا أتوكم اسلمتموهم لعبيد الله، وحرمتموهم عن ماء الفرات الجاري، وهو مبذول يشرب منه اليهود والنَّصارى والمجوس، وترده الكلاب والخنازير»(القصة قديماً وحديثاً). 

هذان النَّصان يُتليان عبر مكبرات الصَّوت، ويبثان مِن الفضائيات، وبالعواصم الأوروبيَّة، بينما يستلم القائمون على المجالس الحُسينية والمشاركون فيها مساعدات مِن دافعي الضرائب، ومعظمهم نَصارى! أقول: ماذا يترك ما يُتلى في أذهان الصِّبيان السَّامعين، وهم يختلطون على مستوى الوطن والعالم بأهل الأديان وبالسُّود؟!، وأحد أنصار الحُسين، المقتول دونه كان مسيحياً(الخوارزمي، مقتل الحُسين)، وآخر أسودَ!

كاتب عراقي