الروس هم الذين عقدوا مع أهل درعا اتفاقيات خفض التصعيد عام 2018، وقبلت الفصائل العسكرية بالأمر الواقع ووافقت على ما طلبه الضامن الروسي، حين تلقوا رسائل عبر الواتساب من مسؤولين أميركيين مفادها «انزعوا أشواككم بأيديكم»، وكان التخلي الأميركي النهائي بعد سنوات من الدعم المتردد الذي توقف نهائياً في عهد ترامب عام 2017. يومها اعتبر السيناتور ليندسي غراهام أن هذه الخطوة «تمنح إيران عاصمة عربية جديدة». وقد اضطرت بعض فصائل المعارضة لقبول مصالحة مع الحكومة السورية بإدارة روسية، وبرز اللواء الثامن مدعوماً من روسيا ضمن الاتفاقية القسرية، ولم يتمكن الأردن من فتح حدوده لعشرات الآلاف من اللاجئين والنازحين الذين تدفقوا يومذاك وقضوا أياماً وقوفاً على المعابر دون خيام أو طعام أو شراب أو دورات مياه، ولم تكن المعونات الأهلية كافية لإنقاذ الموقف، ولم يكن أمام الصامدين سوى الهجرة أو القبول بالعرض الروسي، وهو تسليم المعارضة أسلحتها الثقيلة مقابل أن تنسحب قوات الجيش السوري من بلدات درعا، وتم تهجير الرافضين للمصالحة. لكن المأساة المتوقعة كانت في خرق هذه الاتفاقيات، فسرعان ما بدأت عمليات اغتيالات متلاحقة كان ضحاياها من قبلوا الصلح، مما أشعل النار من جديد، وعادت حوران منطقة ملتهبة، وكانت الخيبة الكبرى في غض الطرف عن التمدد الإيراني في الجنوب. ومؤخراً رفض أهل درعا المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وجاء العقاب سريعاً باقتحام درعا وحصارها وفرض تسليم الأسلحة الفردية لجعل الناس عزلاً أمام الاقتحامات، لكن درعا رفضت وتصاعد القصف عليها، وسرعان ما انتفضت بلدات حوران وأريافها لتقف بوجه المهاجمين وتمكن المدافعون عن أهلهم من صد الهجوم واستولوا على العديد من الحواجز وسقطت مناطق عديدة كانت بيد الحكومة، وتمكن المدافعون المدنيون من أسر عشرات الجنود سرعان ما أطلقت المعارضة سراحهم دون إيذاء أحد، فهم أبناء سوريا وأغلبهم يؤدون الخدمة الإلزامية في الجيش. وكانت المفارقة المهمة في المواجهات العسكرية الأخيرة هي امتناع روسيا عن دخول المعركة لدعم الجيش السوري عبر الطيران، ولو أن روسيا شاركت بطائرتها في المعارك الأخيرة لكان مصير درعا مصير حلب، ولكان الضحايا بالمئات، وسارعت روسيا لبدء مفاوضات مع رجالات درعا المحاصرة، وهي إلى اليوم بلا ماء ولا غذاء ولا دواء. وقد أعلن بيدرسون في الثاني عشر من أغسطس الجاري، أمام المجموعة الدولية لدعم سوريا، أن «المدنيين في درعا يعانون من نقص حاد في الوقود وغاز الطهي والمياه والخبز، إضافة إلى نقص في المساعدة الطبية لمعالجة الجرحى»، قائلاً إن الوضع «ينذر بالخطر».
لقد كانت أمام روسيا فرصة هامة، لكن المفاوضات بين درعا وموسكو لم تنصف أهل درعا بعد، فهي تصر على أن يسلم المحاصرون أسلحتهم الفردية، وهؤلاء يخشون أن يصيروا عُزلاً دون سلاح يمكنهم من مواجهة أي اقتحام محتمل من قوات موالية لإيران ولا تهتم لأوامر روسيا.
ومن يقرأ تحليلات الصحافة الروسية يجد انتقادات لسياسة الحكومة السورية، وهي تحملها مسؤولية وأد القرار الدولي 2254 ومسؤولية إفشال عمل اللجنة الدستورية ولجنة التفاوض اللتين صنعهما الروس، فضلاً عن تحميلها مسؤولية الجوع والانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه حتى الموالون للحكومة أنفسهم وقد باتوا يضجون ويصرخون من هول المعاناة، لاسيما أن دمشق لم تطرح إلى اليوم رؤيتها لحل سياسي واقتصادي، بل تم الإعلان عن متابعة الحل العسكري في درعا وبعدها سينطلق حل مماثل إلى إدلب، ثم إلى المحافظات الشرقية، حيث تتفاءل الحكومة باستعادة كل المناطق بالقوة ودون أي إجراء سياسي يعبر عن استفادة جادة من درس السنوات العشر التي غرقت فيها سوريا بشلالات دماء ودمار. 
ويبدو مريباً أن يقف المجتمع الدولي وأصدقاء سوريا موقف المتفرج على حصار درعا وحوران، مع أن القرار الدولي 2254 جعل قضايا فك الحصار وإيصال المعونات الإنسانية فوق التفاوض، لكن المفجع أن هذا القرار الدولي ذاته بات قيد الحصار.

وزير الثقافة السوري الأسبق