بينما تتعلم الهند التكيف مع فيروس كورونا، يُعد التعليم أحد أكثر المجالات تضرراً من الوباء. فخلال معظم العام ونصف العام الماضيين، شرعت المدارس على امتداد الهند في تقديم دروسها عبر الإنترنت، إذ أغلقت الأقسام الابتدائية أبوابها لـ16 شهراً، بينما فتحت الأقسام الخاصة بالطلاب الأكبر سناً أبوابها بشكل متقطع، وهي الآن بصدد إعادة فتح أبوابها وفق جداول زمنية مختلفة عبر البلاد. لكن الكثير من الآباء ما زالوا قلقين بشأن إرسال أطفالهم إلى المدارس بسبب الوباء وسط مخاوف من موجة ثالثة.
غير أن المحصلة هي أن هذا الأمر أدى إلى تأثر التعليم عبر البلاد. فإذا كان الأغنياء والطبقة المتوسطة قد اضطروا للتكيف مع التعليم عبر الإنترنت، والذي لا يخلو من عيوب بالطبع، فإن الفقراء هم مَن يتحملون عبء اضطراب العملية التعليمية. ذلك أن الكثيرين منهم لا يمتلكون هواتف ذكية، ناهيك عن حواسيب محمولة أو حواسيب لوحية. كما أن آلاف القرى والبلدات لديها اتصال ضعيف بشبكة الإنترنت. ونتيجة لذلك، فإن العملية التعليمية برمتها تأثرت في بلد يحتاج لتقليص دورة الفقر عبر ضمان حصول الناس على التعليم وارتقائهم عبر السلم الاجتماعي وتحقيق الصعود الاجتماعي.
وفي مؤشر على الاضطراب الذي طال العملية التعليمية، تشتكي العديد من المدارس الخاصة، وخاصة تلك التي تلبي احتياجات القطاعات السفلى في المجتمع، من حالات انسحاب أو انقطاع عن الدراسة. فعبر ولاية هاريانا الشمالية، مثلاً، أطلقت السلطات تحقيقاً بعد أن وجدت أن 1,25 مليون طفل «تغيبوا» عن المدارس الخاصة خلال الوباء. إذ انتقل بعض الطلاب الذين تخلفوا عن الحضور إلى مدارس تديرها الحكومة حيث التعليم مجاني. لكن مصدر القلق الأكبر يتعلق بالطلاب الذين قد يكونون انقطعوا عن الدراسة لأن الوباء أضر بمداخيل آبائهم وجعل من الصعب عليهم مواصلة تلقي الدروس عبر الإنترنت. وبذلك يكون الوباء قد ألغى اتجاهاً سابقاً يتمثل في إقبال الطلاب على التسجيل في المدارس الخاصة وتفضيلها على المدارس الحكومية، وذلك بسبب اعتقاد كان سائداً مؤداه أن المدارس الخاصة تقدّم تعليماً أفضل.
وإذا كانت الهند تشتهر بعلمائها وأطبائها ومهندسيها للبرمجيات، والذين درس الكثير منهم في مدارس خاصة، فهناك الآن من يقول إن النظام التعليمي للبلاد أخذ يتذبذب اليوم. ذلك أن ثمة أكثر من مليون مدرسة حكومية تديرها الولايات في الهند. وقد وجدت دراسة شملت 73 ألف طفل بين الرابعة والثامنة في أرياف الهند، أجرتها في عام 2019 منظمةٌ غير حكومية، أن 16 في المئة فقط من الأطفال في الصف الثاني يستطيعون قراءة نص بالمستوى المطلوب، في حين لا يستطيع 40 في المئة حتى التعرف على حروف الأبجدية. والخوف الآن هو من أن يكون الوباء قد أدى إلى تردي هذه القدرات التعلمية أكثر. وبالتالي، فمما لا شك فيه أنه سيتعين على البلاد أن تسعى لتدارك هذا التأخر في تعليمها المدرسي.
بيد أن القدرات التعلمية ليست الوحيدة التي تأثرت سلباً بالوباء، بل إن المنظومة المدرسية بأكملها تضررت في الهند التي يبلغ عدد سكانها 1,35 مليار نسمة. ذلك أن ملايين الأشخاص كانوا يعتمدون على المدارس في كسب أرزاقهم. واليوم، كل القطاعات والخدمات المرتبطة بالمدارس تأثرت سلباً بالوباء. وهذا الأمر أدى إلى مشاكل حقيقية في ما يتعلق بكسب العيش. ذلك أن كل الخدمات والقطاعات المرتبطة بالمدارس عبر البلاد تأثرت بالإغلاقات الطويلة للمدارس بسبب الوباء. وهناك تقديرات تشير إلى أن 300 مليون شخص عبر البلاد يعتمدون على المدارس بطريقة أو بأخرى، اعتماداً يتراوح بين تجارة الزي المدرسي والأدوات العلمية الخاصة بالمختبرات المدرسية، وبين عدد من المهن الحرفية مثل مهن الكهربائيين والنجارين وسائقي الحافلات.. إلخ.
وكانت الهند قد شهدت إغلاقاً صارماً العام الماضي وإغلاقاً أكثر ليونة هذا العام من أجل احتواء موجة ثانية. وقد أثّر الوباء سلباً على الأجور، وخاصة بالنسبة للقطاعات الأكثر فقراً من المجتمع، والتي تعمل أغلبية منها في القطاع غير الرسمي، حيث لا وجود لشيء من قبيل الأمن الوظيفي أو أمن الأجور. وهذا الأمر أثّر على الإنفاق على التعليم. كما تأثّر الاقتصاد الهندي كثيراً بالوباء، إذ انكمش الناتج المحلي الخام بـ6,3 في المئة السنة المالية الماضية. وكان التأثير كبيراً بشكل خاص هذا العام على القطاعات صغيرة الحجم. ويتمثل أحد المطالب الرئيسية في إعادة فتح المدارس، ويعلل العاملون في قطاع المدارس ذلك بالإشارة إلى أن الآباء يأخذون أبناءهم إلى مراكز التسوق والمنتزهات والأماكن العامة المغلقة.
وهناك مخاوف كثيرة من موجة ثالثة قد تؤثر سلباً على الأطفال الذين ما زال لديهم ضعف وهشاشة، في وقت يزداد فيه عدد الكبار الذين تلقّوا اللقاح. وكانت الهند قد شهدت موجةً ثانيةً مدمرةً طالت، وفق بعض التقديرات، أكثر من 60 في المئة من السكان. وخلال تلك الفترة كانت الهند بؤرة «كوفيد-19» بالنسبة للعالم. واليوم، هناك مخاوف من أن يظل الأطفال الجزء الهش من المجتمع في وقت يتلقى فيه السكان الكبار اللقاح بشكل متزايد. وعلى الرغم من أن المدارس فتحت أبوابَها للأقسام الدراسية للطلاب الأكبر سناً في بعض الولايات، فإن الحضور كان أقل من النصف، وذلك لأن الآباء لا يريدون إرسال أطفالهم إلى المدارس. وعليه، فمن الواضح أن التعليم في زمن الجائحة يمثّل تحدياً رئيسياً بالنسبة للهند، تحدياً سيتم الشعور بتأثيراته لسنوات عديدة قادمة.

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي