فكرة هذا المقال مستوحاة من أحدث تطور في رد الولايات المتحدة الفظيع على كوفيد- 19: مواصلة كثير من الأميركيين رفض تلقي اللقاح، وإصرار بعضهم على ابتلاع عقار إزالة الديدان الذي يعطى للخيل بدلاً من ذلك. وقد حاولتُ أن أربط هذا التطور المخيف، والكوميدي في آن واحد، بالعلاقة الطويلة بين التطرف اليميني والأدوية ذات العلامات التجارية المسجلة، غير أنه لم تكن لدي مساحة لوضع هذا الأمر في السياق الأوسع لكيفية تأثير المال على السياسة والسياسات.

الحقيقة البسيطة هي أننا لسنا ملائكة. فحتى أولئك الذين يزعمون أنهم يعملون من أجل المصلحة العامة يمكن أن يتأثروا وكثيرا ما يتأثرون بإمكانية المكافأة الشخصية. ومثلما يحلو للاقتصاديين المحافظين أن يقولوا، فإن المحفزات مهمة. علماء الاقتصاد المحافظين هم الذين عادة ما يدفعون بهذه المقولة أكثر من غيرهم.

فقبل نصف قرن، نشر جورج ستيجلر من جامعة شيكاغو ورقة مؤثرة للغاية بعنوان «نظرية التقنين الاقتصادي»، حاججت بأن مسؤولي الهيئات التنظيمية الحكومية – مثل المجالس التي تضع القواعد لتوليد الكهرباء وتحديد الأسعار – لا يشبهون في شيء أوصياء «جمهورية» أفلاطون الحصفاء الذين يؤْثرون الآخرين على أنفسهم، بل بشر، وبالتالي، معرَّضون للتأثير، وهو ما يعني عملياً أن الهيئات التنظيمية غالبا ما تخضع لسطوة القطاعات نفسها التي من المفترض أن تقوم بتقنينها.

لقد كانت فكرة جيدة، وإنْ كانت ربما فكرة متطرفة. فمسؤولو الهيئات التنظيمية ليسوا ملائكة، غير أنهم في الوقت نفسه ليسوا دائما كائنات تحركّها المصلحة الذاتية. ولكنها طُبقت على نحو جد ضيق. وقد استخدم أتباع ستيجلر هذا المنطق لتوضيح أسباب مناهضتهم للتقنين والتنظيم، محاججين بأن المصالح الخاصة ستُفسد مسؤولي الهيئات التنظيمية. ولكن لماذا يتم قصر هذه النظرة على المسؤولين الحكوميين؟ ولماذا لا يطبّقونها على حركتهم السياسية؟ على كل حال، لا شك أن المنطق نفسه الذي ينطبق على مسؤولي الهيئات التنظيمية ينطبق أيضاً على السياسيين والمعلّقين السياسيين، ولاسيما أولئك الذين على اليمين الذين ينتقدون التقنين والتنظيم. كما ينطبق على المثقفين أيضاً، ولا سيما في تلك المؤسسات التي تتعدى فيها المكافآت الممكنة للتعبير عن الآراء «الصحيحة» المكانةَ والترويجَ للذات إلى مجال المكافأة المالية الخالصة.

لا بل إنه بقدر ما أستطيع أن أتذكر، فإن عالم الرأي والفكر المحافظ كان يتألف إلى حد كبير من رجال ونساء يُشترون. (سأتحدث عن الليبراليين بعد قليل) ولكنني لا أعتقد أن الأمر كان دائماً على هذا النحو. شخصياً، لستُ من المعجبين بتركة عالم الاقتصاد الأميركي «ميلتون فريدمان»، ولكنني أعتقد حقا أنه كان يقول ما كانوا يقومون به انطلاقاً من قناعة حقيقية، غير أن الأمور تغيرت منذ فترتهم الذهبية، بل إنها تغيرت مرتين.

فأولاً كان هناك صعود «الحركة المحافظة» – وهي مجموعة عالية التنظيم من المؤسسات المتشابكة، المدعومة كلها من قبل مليارديرات وشركات كبرى، والتي لم يكن الحزب الجمهوري سوى جزء واحد منها فقط. كما كانت هناك مؤسسات إعلامية، وخاصة «فوكس»، ومراكز أبحاث ودراسات مثل مؤسسة «هيريتدج فاونديشن»، وغيرها. وبحلول العقد الأول من هذا القرن، كانت هذه المؤسسات قد أنشأت فضاء آمنا، وضمانة لمشوار مهني مستقر ومربح، بالنسبة للأشخاص الذين هم مستعدون لقول الأشياء «الصحيحة» – من قبيل أن خفض الضرائب جيد، لكن التقنين سيئ – وعدم الإتيان بقول أو فعل من شأنه تغيير الوضع القائم.

والحق أنني لم أعتقد أبداً أني سأحنّ يوماً إلى العهد الذي كانت تحكم فيه «الأموال الكبيرة» اليمين، ولكن تأثير الشركات التقليدي يبدو حميدا بالمقارنة مع الوضع حيث نوجد الآن. فلكي تكون محافظاً حقيقياً اليوم، يجب أن تدين بالولاء للأكاذيب السافرة – من قبيل: أن الديمقراطيين ماركسيون، والانتخابات سُرقت، والتدابير الصحية الأساسية تمثّل هجمات خبيثة على الحرية.

ولكن، لماذا يبدو الكثير جداً من الأشخاص الذين يفترض أن يكونوا أكثر وعياً مستعدين للانسياق وراء هذه الأكاذيب؟ الجواب مرة أخرى هو: المصلحة الذاتية. وبالطبع، فإن قطاع الدجل والأكاذيب لا يمتلك أي شيء يشبه الموارد والإمكانيات التي تمتلكها قطاعات أكثر ميلاً إلى «الجمهوريين» مثل الوقود الأحفوري والتبغ، ولكنه يتيح فرصاً أكثر للاغتناء الشخصي. ماذا عن الليبراليين؟ إنهم أشخاص لديهم كل العيوب البشرية المعروفة، وهناك الكثير من الليبراليين البارزين الذين أعرف شخصياً أن دافعهم هو الأنا، وإلى حد ما الاعتبارات المالية، أشخاص مثل... في الواقع، لن أذكر أي أسماء.

ولكنهم يعيشون في بيئة مختلفة عن المحافظين. عبارة «ويل روجرز» القديمة – «لستُ عضواً في أي حزب سياسي منظم – بل أنا ديمقراطي» – ما زالت تنطبق هنا. فبحوث العلوم السياسية تؤكد أن الحزب الجمهوري، والتيار المحافظ بشكل عام، هو كتلة إيديولوجية متراصة، وإن كانت كتلة تحت إدارة جديدة إلى حد كبير. وبالمقابل، فإن «الديمقراطيين» ويسار الوسط بشكل عام عبارة عن ائتلاف واسع، ولكي تزدهر في هذا الائتلاف، عليك أن ترضي عدة كتل ناخبة. وهذا يجعل من الصعب عليك بيع روحك، لأنه من غير الواضح لمن يفترض أن تبيعها.

وفي الثقافة الفرعية التي أعرفها جيداً، يشعر الاقتصاديون النشطون سياسياً، أولئك الذين على اليسار، وبغض النظر عن مدى تعصبهم لسياستهم – وبغض النظر عن مدى انسياقهم وراء المصلحة الذاتية – بالحاجة للحفاظ على المصداقية الأكاديمية، وبالنسبة لأولئك الذين يقدّمون الاستشارات منهم، المصداقية مع مصالح تجارية حقيقية (ألم أقل لكم إن لا أحد من الملائكة؟).

الكثير من أصدقائي الاقتصاديين لديهم نظرة إيجابية جدا لسياسات الرئيس جو بايدن، ولكنهم ما كانوا ليجازفوا بسمعتهم للقول إن لدى بايدن فهماً اقتصادياً من مستوى الحائزين جائزة نوبل. وبالتالي، فإن خليط الجنون والفساد الذي يحدث على اليمين الأميركي من نوع خاص، وليس هناك ما يشبهه على اليسار. ولهذا، لا ينبغي القول إنه موجود على كلا الجانبين.

*كاتب وأكاديمي أميركي حائز جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/08/31/opinion/government-corruption.html