هل تتذكرون علم الاقتصاد النمساوي؟ في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، رفض عدد من المحافظين النظرية الكينيزية للاقتصاد وادعوا أنهم من المؤمنين بالمدرسة النمساوية وخاصة «فريدريك هايك». ومن المشكوك مدى معرفة بعض الذين ادعوا انتماءهم إلى المدرسة النمساوية بما يؤيدونه. فاليمينيون، بصفة عامة، حين يتحدثون عن نظرية فكرية، يتعين على المرء قدح زناد فحص الحقائق. وعلى سبيل المثال، ألّف مارك ليفين، من فوكس نيوز، كتاباً كان من الأفضل مبيعاً، لم يكتف فيه بالزعم بأن اليسار الأميركي الحالي واقع في أسر الماركسيين الأوروبيين، بل ذهب إلى حد الزعم بأنهم من اتباع «هربرت ماركوز» ومدرسة فرانكفورت على وجه التحديد. 

وفكرة وجود معركة فكرية كبيرة في ثلاثينيات القرن الماضي بين هايك وجون مينارد كينيز ليست إلا خيالاً. فلم تحظ أفكار هايك بشأن الكساد الكبير بالكثير من الزخم الفكري في ذاك الوقت وشهرته تحققت فيما بعد مع نشر بيانه السياسي الدعائي عام 1944 بعنوان «الطريق إلى العبودية». لكن رغم ذلك، هناك تحليل نمساوي مميز للكساد يشترك فيه «هايك» واقتصاديون آخرون، من بينهم «جوزيف شومبتر». وبينما جادل «كينيز» بأن الكساد سببه عجز عام في الطلب، جادل «هايك وشومبتر بأننا نشهد الصعوبات التي لا مفر منها للتكيف في أعقاب ازدهار. رأي الاقتصاديان أن الإفراط في التفاؤل أدى إلى ذهاب الكثير من العمالة والموارد الأخرى لإنتاج سلع استثمارية وأن حدوث كساد هو طريقة الاقتصاد فحسب لإعادة هذه الموارد إلى حيث يجب أن تذهب. 

وهذه الرؤية تكتنفها مشكلات منطقية. فإذا كان نقل الموارد من السلع الاستثمارية يتسبب في بطالة جماعية، فلماذا لا يحدث الشيء نفسه حين يجري نقل الموارد إلى صناعات أخرى؟ وهذا كان يناقض بشكل واضح التجربة العملية. فأثناء الكساد- في هذه الحالة نتحدث عن أزمة 2008- كان هناك فائض في القدرة الإنتاجية وفي البطالة في كل صناعة تقريباً، فلا ركود في بعضها وعجزاً في أخرى. هذه المرة الأمر مختلف. صحيح أننا لا نسمع كثيراً عن علم الاقتصاد النمساوي هذه الأيام، لكن الجائحة أنتجت بالفعل أزمة نمساوية الطراز لانتقال الموارد، فهناك تصاعد في الطلب على بعض الأشياء، بينما الطلب على أشياء أخرى يتقلص. ويمكننا رؤية هذا على مستوى الاقتصاد الكبير. فهناك زيادة كبيرة في مشتريات السلع المعمرة في وقت تعاني فيه صناعة الخدمات. انظر مثلاً إلى الأشخاص الذين اشتروا دراجة ثابتة للتدريب الرياضي لأنه لم يعد بوسعهم الذهاب إلى صالات الألعاب الرياضية، كما فعلت أنا. 

ويمكن ملاحظة هذا بوضوح أكثر في التفاصيل. فهناك عدد قياسي من المكاتب الشاغرة في السوق، وهناك عجز مدمر في حاويات الشحن. ومن ثم، لدينا أخيراً نوع من الأزمة الاقتصادية الذي اعتقد أشخاص، مثلما اعتقد هايك وشومبتر، اعتقاداً خاطئاً بأنها مثل التي كانت لدينا في ثلاثينيات القرن الماضي. هل هذا يعني أنه يجب علينا اتباع النصيحة الخاصة بالسياسة التي تقدم بها الاقتصاديان في الماضي؟ الإجابة بالنفي. 

وهذه هي الرسالة المتضمنة في بحث فيرونيكا جيريري وجيدو لورنزوني ولوفيج شتراوب وإيفان فيرنينج الذي أعدوه لاجتماع جاكسون هول في ولاية وايومينج. وهو مؤتمر مهم لبنك الاحتياطي الفيدرالي يتمخض عادة عن أبحاث مؤثرة. ومن الحقائق اللطيفة أنني منعت من حضور اجتماعات جاكسون هول منذ بدايات العقد الأول من هذا القرن حين واتتني الجرأة على انتقاد ألان جرينسبان قبل أن يصبح انتقاده شائعاً. ولم يشر البحث صراحة إلى النمساويين، لكن يمكن تفسير البحث على أنه تفنيد لوصفاتهم الخاصة بالسياسة. 
وكان «هايك» و«شومبتر» من المعارضين بشدة لأي محاولة للتصدي للكساد الكبير بتحفيز نقدي ومالي. واستنكر هايك «المحفزات الاصطناعية» مصراً على أنه يجب «ترك الأمر حتى يتحقق العلاج الدائم عبر عملية التكيف البطيئة لهيكل الإنتاج». وحذر «شومبتر» من أن أي «انتعاش ناتج فحسب عن تحفيز اصطناعي يترك جانباً من عمل الكساد بغير التصدي له». لكن هذه الاستنتاجات لا تتسق، حتى إذا قبل المرء تحليلهم الخاطئ لما يعنيه الكساد بصفة عامة. فلماذا تؤدي الحاجة إلى نقل العمال من قطاع ما إلى بطالة؟ لماذا لا يؤدي هذا ببساطة إلى أجور أقل؟ 

والإجابة في الممارسة تتمثل في جمود عملية التقليص للأجور الاسمية. وهذا لأن أصحاب العمل يترددون حقاً في تقليص الأجور بسبب تأثير ذلك على معنويات العمال. لكن إذا لم يكن من الممكن تقليص الأجور في قطاع متجه نحو التقلص، فلماذا لا يمكن زيادتها في القطاع المتجه نحو التوسع؟ بالتأكيد، قد يؤدي هذا إلى ارتفاع مؤكد في التضخم، لكن هذا لا بأس به. وتجادل «جيريري» وزملاؤها بأن الاستجابة المثلى لصدمة إعادة انتقال الموارد والعمالة هو اتباع سياسة نقدية توسعية للغاية تتسبب في ارتفاع مؤقت للتضخم. وبهذا يظل لدى العمال حافز لتغيير الوظائف لأن الأجور الفعلية تنخفض في وظائفهم القديمة لكنها ترتفع في مكان آخر. لكن ليس من الضرورة أن يكون هناك بطالة واسعة النطاق. 

وربما كان هذا واضحاً منذ البداية، أو ربما لا، لأن معظمنا كان يركز على خطأ تشخيص النمساويين للمشكلة لدرجة أننا لم ننفق وقتاً كافياً للتفكير بشأن حلهم. والآن لدينا أخيراً الصدمة التي ظل الاقتصاديون النمساويون يتخيلونها، لكن يمكننا رؤية أنهم رغم ذلك قدموا نصيحة سيئة للغاية. وأصاب الاحتياط الفيدرالي بقبوله تضخماً انتقالياً. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 


Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/09/03/opinion/covid-recession-austrian-school-hayek.html