يأتي إنشاء «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» في دولة الإمارات في عامها الخمسين تتويجاً لمسيرة طويلة من جهودها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان في يوبيلها الذهبي، ويأتي أيضاً في إطار استكمال المنظومة التشريعية والمؤسسية في هذا المجال، وفقاً لأحكام الدستور والقوانين والتشريعات، ومن أجل توفير كافة الضمانات القانونية والإدارية لحماية ورعاية حقوق الإنسان على أراضيها، وبما يؤكد التزاماتها بالمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية المتعلقة برعاية حقوق الإنسان بما يسهم في تعزيز مكانة دولة الامارات على المستوى الدولي. 
جاء إصدار القانون الاتحادي رقم 12 لسنة 2021 الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان مؤكداً على الشخصية الاعتبارية والاستقلالية الإدارية والمالية للهيئة الجديدة بما يعكس اهتمام الدولة بتوفير كافة السبل أمام هذه الهيئة للقيام بدورها الحقوقي، عبر واحدة من أهم الآليات الدولية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان وهي المؤسسات أو الهيئات الوطنية، فلماذا تدشن الدول هيئات وطنية لحقوق الانسان؟
تنطوي حقوق الانسان على علاقات بين الأفراد والدولة، وتعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على تجسير «فجوة الحماية» بين حقوق الأفراد ومسؤوليات الدولة على المستوى المحلي من ناحية والتزامات الدولة وفقاً للمعاهدات التي صادقت عليها والآليات الدولية المنشأة وفقاً لهذه المعاهدات ومجلس حقوق الإنسان على المستوى الدولي.
وأظهرت الممارسات الدولية أن انضمام الدول للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لايعني التنفيذ، ومن هنا تنشأ مشكله التنفيذ، لذلك ومن خلال الممارسات الدولية، ظهر أن خلق توافق فعال بين تعهدات الدولة والتمتع بحقوق الإنسان، يتطلب إنشاء آلية وطنية تعمل على ضمان تطبيق الالتزامات الحقوقية للدولة في المعاهدات المبرمة في هذا الشأن، وتعمل على حماية وتعزيز حقوق الإنسان، ومن هنا ظهرت الحاجة لإنشاء آلية وطنية لحقوق الإنسان تعرف بمؤسسات وهيئات حقوق الإنسان.
لقد حددت مبادئ باريس الحد الأدنى للمعايير الدولية التي يجب على جميع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المنشأة في الدول بغض النظر عن حجمها أو هيكلها - الالتزام بها إذا أرادت أن يكون لها شرعية ومصداقية فعالة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. ولعل الشرط الأهم وفق هذه المبادئ، هو الاستقلالية. 

ومن المأمول أن تعكس عضوية هذه المؤسسات التعددية الاجتماعية للمجتمع المدني، وأن تتحلى بتفويض واسع النطاق لضمان تمكينها من تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال عدد من الوظائف: مراقبة ورصد وضع حقوق الإنسان في البلاد، ورفع التقارير والتوصيات، تقديم النصيحة والمشورة للدولة تعزيزاً للوفاء بالتزاماتها الدولية والمحلية في مجال حقوق الإنسان، استقبال الشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها والعمل على حلها، التوعية والتثقيف بحقوق الإنسان لجميع أفراد المجتمع. إضافة إلى رفع التقارير للآليات الدولية لحقوق الإنسان والتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى والمنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني.
ينتظر من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان الكثير على المستوى المحلي لضمان توفير رعاية متكاملة لحقوق الإنسان من خلال وضع السياسات والخطط على المستوى التشريعي والإجرائي، والقيام بأدوار فاعلة تأكيداً للمستوى الحضاري التي وصلت إليه الدولة في مجال حقوق الإنسان.

كاتبة إماراتية