مع استمرار الجفاف في معاقبة منتجي المواد الغذائية في جميع أنحاء الغرب الأميركي، ذكّرنا إعصار إيدا بأن المشكلة المعاكسة تماماً -العواصف والفيضانات الهائلة - لا تعرّض إنتاج المحاصيل للخطر فحسب، بل يمكن أن تدمر شبكات توزيع الغذاء العالمية. إن شبكات الشحن المركزية عرضة للاضطراب، حيث يمكن لعاصفة واحدة في لويزيانا أن تشل 60% من صادرات الحبوب الأميركية إلى بقية العالم. إنه الدرس نفسه الذي تعلمناه من الآثار المدمرة لجائحة «كوفيد-19» والهجمات الإلكترونية على منشآت تصنيع اللحوم الرئيسية، والتي أظهرت أن دمج هذه المنشآت جعل هذه الصناعة هشة بشكل غير مقبول. وهذا جعلنا نتساءل: متى سنكون جادين في تغيير هذا النموذج؟

لقد رأينا من قبل ما يمكن أن تفعله الأعاصير للإمدادات الغذائية الوطنية والدولية: تسبب إعصار كاترينا في أضرار زراعية بقيمة 900 مليون دولار، حيث غمر مساحات من الأراضي الزراعية، وقتل الملايين من الدجاج وآلاف الماشية، وأجبر منتجي الألبان على التخلص من كميات هائلة من الحليب لا يمكن تبريده بسبب فقد الطاقة. وقضى إعصار ماريا على 80% من الاقتصاد الزراعي في بورتوريكو، والذي لا يزال يحاول التعافي بعد أربع سنوات. ستكشف الأيام المقبلة عن حجم الخسائر التي لحقت بالماشية والمحاصيل الوفيرة من القطن والذرة وفول الصويا التي كانت تنمو في لويزيانا والولايات الجنوبية الشرقية المحيطة بها قبل أن يضرب إعصار إيدا، لكن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية كانت واضحة على الفور: في غضون ساعات، عرقل الإعصار الرابع الصادرات من أحد أكثر الموانئ الزراعية ازدحاماً في العالم. عندما ضرب إعصار «إيدا» ساحل لويزيانا، دمر الأرصفة وموانئ التصدير المستخدمة في تجارة المحاصيل الزراعية، وسحق مرافق تخزين ومعالجة الحبوب، وأغلق مصانع الكيماويات الزراعية وشل طرق النقل الرئيسية لفول الصويا والذرة على طول نهر الميسيسيبي. يعد خليج المكسيك أكبر سوق شحن لصادرات الحبوب في العالم. وتهدد العواصف التي تجتاح هذه المنطقة أيضاً نظام النقل الحيوي بالصنادل والذي يمتد على طول نهر الميسيسيبي، ويربط المزارعين في الغرب الأوسط بالميناء. يتم نقل أكثر من نصف صادرات الحبوب الأميركية إلى نهر المسيسيبي وتحميلها على السفن التي تسافر عبر الخليج - وكثير منها يكون في طريقه إلى آسيا.

لقد ذكرنا إعصار إيدا بأن هذه المنطقة، التي تعتبر ركيزة أساسية لسلسلة الإمدادات الغذائية العالمية، معرضة للخطر في وقت تتقلص فيه إمدادات الحبوب العالمية ويتزايد الطلب من الصين. إنه أيضاً تذكير للكونجرس وإدارة بايدن أنهم بحاجة إلى دراسة نقاط الضعف في نظام غذائي أصبح يعتمد بشدة على التجارة عبر مسافات بعيدة. ويتعين على المشرعين لدينا معرفة ما يتطلبه الأمر لبناء المرونة وتكرار نظم التشغيل في شبكات توزيع الأغذية، مع الاستمرار في دعم الزراعة المستدامة المقاومة للمناخ وتحفيز الإنتاج الغذائي المحلي والإقليمي على نطاق أصغر. تستورد الولايات المتحدة أكثر من نصف الفاكهة التي نستهلكها وحصة كبيرة من الخضراوات. ونصدر خُمس إنتاجنا من الذرة وفول الصويا والأرز، وثلاثة أرباع إنتاجنا من القطن. بشكل عام، يُصدر المزارعون الأميركيون أكثر من 20% من كل ما ينتجونه.

ولا يمكن الالتفاف حول حقيقة أن شبكات التوزيع الضعيفة يمكن أن تُترجم إلى انعدام الأمن الغذائي والتقلب الاقتصادي على المدى الطويل. إن سلاسل الإمداد الغذائي لمسافات طويلة لديها آثار مكثفة على البيئة. في الواقع، فإن الشحن هو من بين أكثر أشكال النقل كفاءة: الشحن الجوي للأطعمة القابلة للتلف مثل التوت الذي تتم زراعته في غير موسمه، والذي تنتج عنه انبعاثات كربونية تزيد بحوالي 10 أضعاف عن النقل بالشاحنات وما يقرب من 50 مرة أكثر من الشحن. ومع ذلك، على الرغم من مزايا الشحن، إلا أنه عرضة بشكل فريد للاضطراب.

وقد رأينا هذا في شهر مارس عندما علقت حاوية شحن يبلغ طولها ربع ميل في قناة السويس، مما أدى إلى توقف حوالي 10% من حركة الشحن العالمية وحدوث تأخير كبير في تسليم المحاصيل والماشية. وبينما يبدأ الرئيس جو بايدن والكونجرس في استثمار الأموال في مشروع قانون البنية التحتية العملاق، يتعين عليهم التركيز على المرونة والتكرار، خاصة لشبكات الشحن.

سيكون هذا الأمر مكلفاً: قد تتطلب شبكات التوزيع الأكثر مرونة، على سبيل المثال، مرافق تخزين احتياطية، ومصادر للطاقة في الموقع يمكنها العمل أثناء انقطاع التيار الكهربائي، وطرق بديلة للشحن والشاحنات عند تلف أرصفة الميناء وإزالة الطرق. وعلى المدى القريب، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الصادرات الزراعية في موانئ لويزيانا ستُستأنف بأحجامها الطبيعية خلال الأسبوع.

ومع ذلك، يستمر موسم الأعاصير في منطقة خليج  المكسيك حتى نهاية نوفمبر. والبيانات واضحة وتفيد أن تغير المناخ يجعل الأعاصير أكثر خطورة. على المدى الطويل، يجب أن نتذكر أن تغير المناخ هو في الأساس اضطراب في حركة المياه، وعلى نحو متزايد، نعيش في عالم به الكثير من المياه في بعض المناطق والقليل جدا في مناطق أخرى، عالم تزداد فيه الضغوط للتكيف مع تغير المناخ -إلى جانب ثقل التزامنا الأخلاقي بالتخفيف من هذه الأزمة.

*أستاذة الصحافة في جامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»