يراقب العالم عن قرب سلوك حركة «طالبان»، وما تقوم به في الوقت الراهن، ومخططها للتعامل مع المجتمع الدولي، خاصة أنها ستبدأ مرحلة سياسية واقتصادية على أسس جديدة بعيداً عن الصورة التقليدية للحركة التي تريد محو الصورة المعروفة عن نشاطها وتوجهاتها.

وفي المقابل سيقبل المجتمع الدولي- كما واضح من متابعة المواقف الدولية - مضطراً بالحضور السياسي للحركة شريطة أن تبدأ مرحلة جديدة من الممارسات السياسية المتعارف عليها، وهو أمر غاية في الصعوبة في ظل عدم وجود خبرات سياسية للحركة، وعدم امتلاك العناصر الصاعدة في قيادة الحركة أي خبرات متخصصة، وبالتالي فإن الاستقرار السياسي الداخلي التي ستقوده الحركة سيحتاج إلى ضوابط حقيقية، وليس فقط الاكتفاء بالإعلان عن ممارسة نظام الحكم كشأن أي نظام سياسي يتشكل.

وبالتالي فإن شروط الاستيعاب الحقيقي للحركة في العالم يحتاج إلى طرح بعض الأسئلة الشائكة، منها هل سيتم الاكتفاء بالحكم وفقاً للشريعة، أم بالنظام السياسي الحالي وفق قواعد منضبطة، ترتكز على الشورى؟ الحركة اكتفت بالإعلان عن استيعاب الأقليات الاجتماعية، الأمر الذي سيثير قضايا من نوعية المشاركة السياسية، وصهر الأقليات في بوتقة واحدة.

والتعامل الاقتصادي مع الخارج سيحتاج إلى مراجعات مختلفة في ظل عدم وجود معايير لإعادة إلحاق الاقتصاد الأفغاني بالمنظومة الدولية المعقدة، خاصة أن الاقتصاد الأفغاني يعمل على مجالات غير مطروقة، وما يؤكد ذلك أن إمكانيات الاقتصاد الأفغاني غير قادرة على الالتحاق بالبنية الإقليمية، سواء في نطاقه الآسيوي، أو الدولي. السؤال هل سيقبل العالم إلحاق حركة «طالبان» ونظام حكمها بالاقتصاد الدولي أم أنه سيراها أمراً صعباً ليبقي الأمر كما هو في ظل اقتصاد الحركة الراهن؟

الأمر الذي يعني صعوبة إلحاق أو تعويم الاقتصاد الأفغاني في نطاقه، والقبول بما هو قائم، وبما يعني الإبقاء على حركة التداول للاقتصاد الأفغاني كما هي. وثمة سؤال مؤداه: هل يمكن التصور كيف سيتعامل العالم مع الحركة؟ وهل سيقبل بها الأمر الذي يطرح إشكالية التعامل بصورة الندية مع الدول الأخرى بصرف النظر عن مساعي دول مثل الصين وروسيا، واللتين ستعملان مع نظام الحكم الجديد في أفغانستان، الأمر الذي سيدخل النظام الجديد في دائرة من المصالح الاقتصادية والاستثمارية مثلما تخطط الصين لإلحاق أفغانستان بسلسلة من الارتباطات الاقتصادية متعددة الأطراف، ويدفع بدور تراكمي للحركة في مواجهة المخاوف التي تبديها العديد من الدول تجاه الحركة، وبالتالي فإن الاعتراف بها كنظام سياسي سيتطلب مراجعات ومواقف مسؤولة لا تتوقف على الاعتراف الرسمي بتحول الحركة إلى نظام مقبول دولياً يحظى باحترام، واعتراف عالمي، خاصة أن هذا الأمر سيحتاج إلى بعض الوقت لاستيعاب ما يجري في الداخل، والحكم على توجهاتها. العالم على موعد جديد مع حركة «طالبان»، التي تسعى في اتجاه التحول إلى حركة سياسية مقبولة يمكن استيعابها دولياً، وهذا أمر شاق، ويحتاج من الحركة إلى مواقف مرنة وتوجهات مستجدة.