أعلنت البحرية الأميركية في التاسع من سبتمبر الجاري أن الأسطول الخامس التابع لها شكّل قوةً جديدة تحمل الرقم 59 لزيادة قدرته على الردع، وقال تيم هوكينز الناطق باسم الأسطول الخامس: «إنها قوة عمل مكرسة لدمج سريع للأنظمة غير المأهولة (المسيّرة عن بُعد) والذكاء الاصطناعي مع العمليات البحرية». لكن ما هي القوة 59؟ وما هدفها؟ وما نطاق عملها؟ وهل يعكس استحداث هذه القوة تغيراً في استراتيجية الردع الأميركية؟ وماهي انعكاسات استخدام هذه القوة على التواجد العسكري الأميركي في الخليج والشرق الأوسط؟ 
لقد ظلت العلاقات الأميركية الخليجية الثنائية والتواجد الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري المستمر للولايات المتحدة في الخليج والشرق الأوسط ركيزةً أسياسية للأمن في الخليج ولتأمين المصالح الوطنية للولايات المتحدة، ورغم الاعتراف بأن انتشار القوات الأميركية طويل الأجل في منطقة الخليج سيظل أمراً أساسياً وحتمياً لمصالح الولايات المتحدة ومصالح شركائها الإقليميين والعالميين، ولمصلحة الاستقرار والأمن الإقليميين.. فإن الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان، والذي لا يزال يثير الجدل، أدى إلى إطلاق نقاش حول فعالية الوجود العسكري الأميركي في العالم، لاسيما في الشرق الأوسط، فطرحت تساؤلات جدّية حول فائدة الإبقاء على وجود للقوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، ومستقبل هذه القوات في ظل الدعوات الداخلية المتزايدة لسحبها. 
يرى القادة والمحللون السياسيون من الحزبين، «الجمهوري» و«الديمقراطي» (وإن بدرجات متفاوته)، أن تواجد القوات العسكرية في المنطقة لم يعد مناسباً للمصالح الأميركية المتطورة، فالانسحاب من أفغانستان وقبلها إعادة هيكلة القوات الأميركية في العراق، واستمرار التواجد المحدود على الحدود السورية العراقية.. كل ذلك يوضح الحاجة إلى تعديل محتمل للوجود الأميركي في المنطقة. وفي ظل الدعوات لسحب أو تقليص أو توسيع الوجود العسكري الأميركي، ظهرت الحاجة لمقاربة مختلفة لجعله أكثر فاعليةً وأقل عدداً وأصغر حجماً وأكثر مرونةً. 
إن تحديد فهم واضح للمصالح الأساسية للأمن القومي الأميركي من شأنه إعادة صياغة إطار جديد للدور العسكري الأميركي في الخليج والشرق الأوسط. ويتفق معظم المحللين على أن للولايات المتحدة مصلحة حيوية في الحفاظ على الأمن البحري في مياه الخليج، والوصول العالمي للتجارة وموارد الطاقة عبر قناة السويس ومضيقي هرمز وباب المندب، وصولاً إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. ولا يمكن تصور الولايات المتحدة وهي تتنازل عن لعب دور القوة العظمى في العالم دون أن تكون لها الريادة في تأمين شريان إمدادات الطاقة عالمياً عن طريق التواجد العسكري ضمن شبكة متداخلة ومترابطة من الأساطيل والقواعد العسكرية تدعم وتعزز بعضها البعض. فالتنازل عن هذا الدور لصالح القوى الإقليمية المتنافسة أو لتمكين قوة دولية منافسة، من شأنه أن يقوض مصالح الولايات المتحدة ومصالح شركائها الإقليميين.
ويعد تأسيس القوة 59 مقاربة جديدة بين الأطروحات المتضادة للانسحاب العسكري الكامل أو شبه الكامل أو توسيع تواجد القوات العسكرية الأميركية في الخليج، فهي قوة جديدة تستخدم الطائرات المسيرة وغيرها من الوسائل التي لا تحتاج إلى عنصر بشري، وستعتمد على الشراكات الإقليمية والتحالفات، وبذلك تمزج الفعالية مع الاستدامة مع الاحتفاظ بالخيار العسكري. وتطرح واشنطن من خلال استحداث هذه القوة نموذجاً أمنياً إقليمياً جديداً يشمل جميع اللاعبين الرئيسيين ضمن شراكة إقليمية مع الولايات المتحدة وتحسم النقاش حول الدور العسكري الأميركي في الخليج.


كاتبة إماراتية