خلال تسعينيات القرن الماضي حذّرت أجهزة الاستخبارات الغربية على اختلافها من أن متطرفين إسلاميين يخططون لشن هجوم كبير على مصالح تابعة للولايات المتحدة وحلفائها في أنحاء العالم. غير أن كل التقارير التي تضمنتها هذه التحذيرات تجوهلت وذهبت أدراج الرياح، وذلك جزئياً بسبب انعدام التعاون وغياب التنسيق داخل مجتمع الاستخبارات الغربية والعالمية. وشكّلت الهجمات على الولايات المتحدة في يوم 11 سبتمبر عام 2001 مفاجأةً تامة للجميع. وبتلك التفجيرات أصبح أكثرَ الأعمال الإرهابية تدميراً على الإطلاق هي تلك التي ارتُكبت على التراب الأميركي وضد مرافق ورموز حيوية فيها. 
وفي الأسبوع الماضي، تم إحياء الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر عبر العالم بمشاعر مختلطة. والخبر السار هو أنه بعد عشرين عاماً على تلك الهجمات الوحشية، كان هناك إصلاح شامل لوكالات الاستخبارات الأميركية، ونتيجةً لذلك الإصلاح يوجد اليوم قدر أكبر بكثير من التعاون بين هذه الوكالات، وخاصة بين مكتب التحقيقات الفدرالي الـ«إف بي آي» ووكالة الاستخبارات المركزية الـ«سي آي إيه». وفضلاً عن ذلك، فقد تغيّر الأمن في المطارات الرئيسية عبر العالم بشكل جذري، وقُلصت احتمالات تكرار أحداث 11 سبتمبر بشكل دراماتيكي. صحيح أن كلفة التدابير الأمنية الجديدة كانت ضخمةً سواء من حيث المال، أو الإزعاج المترتب على ذلك بالنسبة لمن يسافرون على متن الطائرات.. ولكن فعاليتها ثابتة ومؤكدة. 
غير أن العالم ليس أكثر أمناً في عام 2021. ذلك أن التهديدات الإرهابية تغيّرت، والنوايا الحسنة، السياسية والاجتماعية، التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر اختفت. ففي عام 2001، انبرى معظم زعماء العالم للتنديد بقوةٍ بهجمات 11 سبتمبر، بما في ذلك روسيا وإيران. وحظي قرار الولايات المتحدة مهاجمة أفغانستان في خريف عام 2001 بدعم كل البلدان تقريباً. ولأول مرة في التاريخ، لجأ أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تفعيل الفصل الخامس من ميثاق الحلف الذي ينص على أن «هجوماً مسلحاً ضد واحد منهم أو أكثر.. يُعتبر هجوماً عليهم جميعاً». وأسهم معظم أعضاء الحلف بدعم عسكري ودبلوماسي من أجل محاربة تنظيم «القاعدة» وهزيمة حركة «طالبان» التي رفضت تسليم قائد التنظيم أسامة بن لادن للولايات المتحدة. 
لكن بعد سيل الدعم الأولي ذاك، أدى قرار إدارة جورج دبليو بوش خوض «حرب عالمية ضد الإرهاب»، ثم قرارها في عام 2003 غزو العراق، إلى تنفير العديد من الحلفاء، كما تسبب في خلافات كبيرة مع فرنسا وألمانيا ولاعبِين دوليين مهمين آخرين مثل روسيا. وأضحى العراق القضية الأكثر إثارةً للانقسام ضمن قضايا الأمن القومي في الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام. إذ تُعتبر حرب العراق الآن من قبل كثيرين أسوأ خطأ في السياسة الخارجية الأميركية منذ عام 1945، لاسيما أن تكاليفها بالنسبة لأميركا كانت كبيرة للغاية. إذ كلّفت جهودُ دعم المؤسسات الديمقراطية في كل من أفغانستان والعراق تريليونات الدولارات من الخزانة الأميركية، مما تسبب في نقص خطير في الاستثمار الداخلي في البرامج الاجتماعية وبرامج البنية التحتية الأميركية التي تحتاج الآن إلى ضخ هائل للأموال فيها. 
والأكثر مأساوية هو أن الانقسامات السياسية الحالية في المجتمع الأميركي أصبحت جد مسمومة، لدرجة أن أغلبيةً من «الديمقراطيين» باتت تعتقد أن أخطر تهديد للبلاد لن يأتي من إرهابيين خارجيين وإنما من القوميين البيض المحليين الذين شنّوا هجوماً على مبنى الكونجرس الأميركي في السادس من يناير 2021. وعلى خلفية هذا الحدث، ووباء «كوفيد-19» المستمر، والانسحاب المتسرع من أفغانستان، والاحتكاك الذي لا نهاية له بين أنصار «الجمهوريين» الذين ما زالوا يعتقدون أن دونالد ترامب حُرم من ولاية ثانية في الرئاسة بسبب تزوير في الانتخابات.. فلا غرو أن يكون مزاج البلد مغرِقاً في التشاؤم. 
والواقع أنه إذا استطاعت الإدارة الأميركية الحالية السيطرةَ على الوباء، ودعم النمو الاقتصادي، وتمرير تشريع للبنية التحتية والبرامج الاجتماعية.. فقد يظهر مشهد أدعى إلى الأمل والتفاؤل. غير أن العراقيل التي تواجه الرئيس جو بايدن تتطلب قدراً استثنائياً من الوحدة داخل «الحزب الديمقراطي» نفسه، والكثير من الحظ أيضاً. 

مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست»