تقف السفينة الحربية الضخمة «هيرشيل وودي ويليامز»، والتي تصفها البحرية الأميركية بأنها «قاعدة بحرية استكشافية»، حالياً قبالة الساحل الغربي لأفريقيا كجزء من تدريب متعدد الجنسيات لمكافحة القرصنة. السفينة «ويليامز»، البالغ طولها 800 قدم يعلوها منصة لطائرات الهليكوبتر، توفر دعماً لوجستياً هائلاً –وقود ومخازن وقطع غيار، بينما هي باقية في البحر إلى أجل غير مسمى تقريباً، لأن لديها طاقمين منفصلين يتبادلان الأماكن كل أربعة أشهر.
إن نشر قاعدة متنقلة يمثل بياناً مهما لالتزام الولايات المتحدة في أفريقيا. ونظراً لآفة القرصنة الأفريقية، فإن الأمر يبدو منطقياً أيضاً.
يحتاج خليج غينيا، الذي يضم ممرات شحن مهمة لأوروبا واحتياطيات نفطية هائلة، بشكل عاجل عمليات متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة. في العام الماضي، وقع 46 حادث قرصنة ومحاولات قرصنة ناجحة قبالة نيجيريا وبينين وحدهما –ما يقرب من ربع الهجمات في العالم، وفقاً لمركز الإبلاغ عن القرصنة العالمي التابع للمكتب البحري الدولي. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن منطقة غرب أفريقيا تخسر أكثر من 750 مليون دولار سنوياً بسبب جرائم القرصنة البحرية.

عندما كنت قائداً للقوات المسلحة لحلف شمال الأطلسي في عام 2009، بدأنا مهمة واسعة النطاق لمكافحة القرصنة قبالة الصومال، بعنوان «عملية درع المحيط»، لكنها تحولت لتشمل جميع أنحاء القارة. وبينما نفذ القراصنة الصوماليون، الذين اشتهروا بسبب فيلم «كابتن فيليبس»، عدداً صغيراً من الاعتداءات الجريئة على السفن الكبيرة، كانت المشكلة في خليج غينيا أكثر تعقيداً وانتشاراً.
تحدث معظم الهجمات بالقرب من الشاطئ، حيث تكون ناقلات البضائع وسفن الحاويات والناقلات الصغيرة التي تحمل المنتجات البترولية المكررة هي الأهداف الرئيسية. وتشمل الهجمات الأخرى أخذ رهائن من قوارب تحمل العمال إلى منصات التنقيب عن النفط البحرية، حيث يتم أخذ الأسرى إلى أدغال المستنقعات على الساحل واحتجازهم حتى يدفع أرباب العمل الفدية. (وفي بعض الحالات يكون هناك تعاون بين أفراد الطاقم والرهائن المفترضين أنفسهم، الذين يحصلون على جزء من الفدية بعد أن تدفعها شركات النفط).

سيستمر التدريب الحالي، الذي يحمل اسم «عملية جينيكس» حتى نهاية سبتمبر. وتقود القيادة الأميركية في أفريقيا هذا التدريب وتجمع القوات البحرية من جانبي المحيط الأطلسي، بما في ذلك 10 دول أفريقية. كما نشرت البرازيل فرقاطة قوية، «إندبنديسيا»، ونشرت البحرية النيجيرية، وهي القوة المهيمنة في المنطقة، 6 سفن. وبالإضافة إلى المناورات البحرية، هناك تركيز على تدريب القوات الخاصة المحلية، على غرار فرق البحرية الأميركية.

لعقود من الزمن، استخدمت الولايات المتحدة نهج بناء قوة بحرية جماعية مع شركاء إقليميين في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مما يعزز الأمن دون التكاليف والتحديات السياسية للبصمة اللوجيستية الثقيلة.

تهدف «عملية جينيكس» أيضاً إلى تحسين إمكانية التشغيل البيني بين المنصات البحرية الأميركية والشركاء المحليين –بما في ذلك الإرسال اللاسلكي الآمن من نقطة إلى نقطة، وروابط البيانات مع معلومات التتبع على الشحن التجاري، والوصول إلى بث الأقمار الصناعية غير السرية. ويمكن أن يوفر تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أفضل معلومات مفيدة من الناحية التكتيكية للجيوش الأفريقية ويساعد الولايات المتحدة على اكتساب نظرة ثاقبة حول التهديدات الإرهابية. (هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن بعض القراصنة وصلوا إلى جماعة بوكو حرام الإرهابية، وأقسموا بالولاء لما يعرف بتنظيم داعش.)

ويجب أن تبني البحرية الأميركية على نشر السفينة «ويليامز» من خلال زياراتها الروتينية إلى ميناء خليج غينيا. ولا يلزم أن تكون هذه مدمرات «آرلي بيرك» عالية التقنية أو طرادات «تيكونديروجا»، حيث تعد سفن خفر السواحل الأميركية الأكثر تواضعاً أفضل من حيث مطابقتها لقوات البحرية المحلية. وستكون فئة «سبيرهيد» للنقل السريع الاستكشافي، والتابعة للبحرية، وهي في الأساس إصدارات أصغر من ويليامز، خياراً جيداً، كما هو الحال بالنسبة للسفن البرمائية ذات الغاطس الضحل.
سيصبح التعاون مع دول «خليج غينيا» عملية حكومية شاملة، حيث سيضم فرقاً من إدارة مكافحة المخدرات، والمكتب الدولي لمكافحة المخدرات التابع لوزارة الخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الأمن الداخلي والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. وكما تعلّم حلف شمال الأطلسي قبل عقد من الزمان في الصومال، فإن هزيمة القرصنة لا يمكن أن تتم في البحر وحده، حيث إن هذا البلاء مدفوع بالظروف القاسية على الشاطئ.
بالنسبة للولايات المتحدة، سيكون تحسين العلاقات العسكرية وإنفاذ القانون والعلاقات الدبلوماسية في أفريقيا أمراً حيوياً بشكل متزايد.

هناك سبب يدعو للتفاؤل. فلطالما كانت الدول الأفريقية حذرة من السماح بوجود عسكري أميركي دائم، مثل توفير الموانئ المحلية لسفن البحرية. لكن في ربيع هذا العام، حثت الحكومة النيجيرية، بشكل مفاجئ، البنتاجون على نقل مقر القيادة الأميركية في أفريقيا من هامبورج بألمانيا إلى موقع في القارة.
من الممكن أن يصل عدد سكان أفريقيا على 2.5 مليار بحلول منتصف القرن، أي ربع سكان العالم. يؤدي الفقر المدقع والجفاف وضعف البنية التحتية والخلافات الدينية والقوى الخارجية المتطفلة إلى خلق ظروف تزدهر فيها الصراعات الأهلية والقرصنة والإرهاب. قبل أيام فقط، أطيح بحكومة غينيا في انقلاب عسكري.
تقوم السفينة ويليامز بأكثر من محاربة القراصنة المعاصرين، فهي تثبت أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في الحفاظ على الاستقرار والأمن في أسرع قارات العالم نمواً.

جيمس ستافريدس
أميرال متقاعد في البحرية الأميركية وقائد أعلى سابق لحلف شمال الأطلسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»