احتفل الروانديون وأصدقاء رواندا بيوم تحرير رواندا يوم الموافق 4 يوليو، حيث يتم الاحتفال بالذكرى السنوية الـ27 لتحرير رواندا تحت شعار «معًا نزدهر». الاحتفالات بيوم التحرير استمرت في جميع أنحاء العالم خلال شهر يوليو.

وفي 9 يوليو 2021، استضافت سفارة جمهورية رواندا في دولة الإمارات العربية المتحدة منتدى شبابيًا افتراضيًا للشباب الرواندي في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين احتفالًا بيوم التحرير الـ27 تحت شعار «دور الشباب في بناء رواندا التي نريدها - بعد النضال من أجل التحرير».

يُذّكرنا يوم التحرير (كويبوهورا)، الذي يتم الاحتفال به سنويًا في 4 يوليو بالنصر التاريخي للمناضلين في سبيل الحرية بدافع الحب غير المشروط لوطنهم وتحرير شعبها، وهي قوة من الشباب والشابات الشجعان بقيادة فخامة الرئيس بول كاغامي نتج عنها توقف الإبادة الجماعية ضد التوتسي في 4 يوليو 1994 والبدء في مهمة شاقة لإعادة بناء أمة ممزقة، فكويبوهورا هي النتيجة النهائية للنضال المسلح من أجل التحرير الذي بدأه الشباب الرواندي بشكل أساسي في 1 أكتوبر 1990، ممن أُجبر آباؤهم على النفي من البلد من حين لآخر منذ عام 1959.

أُجبر جزء من السكان، ولا سيما التوتسي، لأكثر من 30 عامًا على النفي ورُفضوا حق العودة إلى ديارهم بينما تعرض من بقي من التوتسي داخل البلاد للاضطهاد والقتل المنهجي والفصل والاستبعاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وعليه، فإن يوم 4 يوليو 1994 هو يوم مهم يحتفل به جميع أبناء الشعب الرواندي لأنه يمثل نهاية الإبادة الجماعية التي اُرتكبت في عام 1994 ضد التوتسي وأودت بحياة أكثر من مليون شخص بريء خلال 100 يوم، كما أنه يوم للتذكير والإشادة بالوطنيين الذين تحدَّوا كل الصعاب وضحوا بأنفسهم لوقف الإبادة الجماعية التي اُرتكبت ضد التوتسي في عام 1994، وحررت البلاد من نظام الإبادة الجماعية وجميع أشكال الكراهية والانقسام.

أدت ممارسة السياسات السيئة وأهوال الإبادة الجماعية التي اُرتكبت ضد التوتسي لعقود إلى تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد وخلّفت دولة منهارة وسط شكوك حول القدرة على النهوض والارتقاء. إلا أنه بعد التحرير، بفضل القيادة الحكيمة في عهد فخامة الرئيس بول كاغامي، نهضت رواندا من تحت الأنقاض بتحول ملحوظ بناءً على الخيارات الحكيمة للوحدة والمساءلة والتفكير بطموح نحو تحقيق التنمية المتمحورة حول الناس. وللتصدي لمحنة مجتمع يعاني من الصدمات، كانت حكومة الوحدة الوطنية ثابتة في وضع وتنفيذ سياسات ترعى العدالة والوحدة والمصالحة.

المنتصر لا يحصل على كل شيء! في أعقاب الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد التوتسي، تم دمج أكثر من 20,000 ضابط وأفراد من الجيش السابق في القوات المسلحة الوطنية وتم إعادة أكثر من 3.5 مليون لاجئ إلى أوطانهم وإعادة توطينهم وإعادة إدماجهم بنجاح، وفقًا لتقرير اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة لعام 2016 حول النقاط البارزة لعمليتي الوحدة والمصالحة. تحققت العدالة الإصلاحية والتصالحية! حيث تم التحقيق في القضايا المتعلقة بالإبادة الجماعية التي قد تستغرق قرنًا في المحاكم ومحاكمة مرتكبيها في عقد واحد، حيث أُعيدت محاكم جاكاكا التقليدية المحلية إلى عملها وحكمت على ما يقرب من مليوني قضية في عشر سنوات فقط، وفقًا للدائرة ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ لمحاكم ﺍﻟﻐﺎﻛﺎﻛﺎ لعام 2012.

ومن الناحية الاقتصادية، تعد رواندا واحدة من الدول الأفريقية العشر التي شهدت نموًا سريعًا مستمرًا (بمتوسط 8%)، والدولة الثانية في أفريقيا من حيث سهولة إقامة المشاريع التجارية، حيث يحتاج المستثمرون إلى ست ساعات فقط لإقامة مشروع تجاري، وذلك وفقًا للبنك الدولي. نما الاقتصاد بشكل ملحوظ مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي 14 ضعفًا بين عامي 1994 و2019 بينما زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سبعة أضعاف خلال نفس الفترة.

وبفضل الانفتاح وسهولة إقامة المشاريع التجارية، استقرت العديد من الشركات الأكثر شهرة في رواندا، بما فيها فولكس فاجن التي ينتج مصنعها مركبات مُجمَّعة في رواندا، وموانئ دبي العالمية من دولة الإمارات العربية المتحدة التي أطلقت في عام 2019 ميناء جافاً داخلياً ومرفق مناولة البضائع بقيمة 35 مليون دولار في كيغالي وشركة يونيليفر وشركة مارافونز والبنوك الإقليمية والقارية وشركات التأمين وشركات الأدوية وغيرها. كما استعادت الحكومة أمن الناس والممتلكات، حيث تتمتع رواندا بالسلامة والأمن، ولم يعد الروانديون بحاجة إلى تصاريح خاصة للتنقل داخل بلدهم كما كان الحال قبل عام 1994. وتُصنَّف رواندا بأنها الدولة الأكثر أمانًا في أفريقيا وخامس دولة أكثر أمانًا للمشي ليلاً حول العالم.

بالإضافة إلى أن رفاهية الناس قد زادت بشكل كبير بفضل السياسات الجيدة الشاملة والتحويلية، حيث يتمتع 81.3% من سكان رواندا بالأمن الغذائي. كانت نسبة الروانديين الذين يحصلون على الكهرباء أقل من 1% في عام 1994 وارتفعت إلى 61.5% في مارس 2021 بينما تصل نسبة من يحصلون على المياه حاليًا إلى 90%. وبفضل سياسة الحماية الاجتماعية، وسعت الدولة نطاق العديد من برامج التنمية الاستراتيجية لسكانها.

وطوال 27 عامًا من التحرير، تم نقل أكثر من 80 قرية إلى قرى نموذجية تضم شققًا حديثة وبنية تحتية للمدارس، ومركزًا حديثًا لتنمية الطفولة المبكرة، ومركزًا صحيًا، ومرافق رياضية، من بين أمور أخرى. ويغطي التأمين الصحي الشامل حاليًا أكثر من 90% من الروانديين. كما يسهل الوصول إلى المرافق الصحية، بما في ذلك استخدام التكنولوجيا مثل الطائرات من دون طيار التي تنقل الدم والمواد الأخرى المنقذة للحياة إلى المرافق الصحية البعيدة. وتضاعف متوسط العمر المتوقع ثلاث مرات تقريبًا من حوالي 28 عامًا في عام 1994 وفقًا للبنك الدولي إلى 67.8 عامًا في عام 2020. ركزت سياسة الإدماج في رواندا أيضًا على التكافؤ بين الجنسين. ولا تزال رواندا الدولة الرائدة في العالم التي تضم أكبر عدد من النساء في المناصب التشريعية، وفقًا لآخر إصدار من تقرير «المرأة في البرلمان» الصادر عن الاتحاد البرلماني الدولي.

بالإضافة إلى أن 61 في المائة من المقاعد البرلمانية في البلد تشغلها النساء، وصنف التقرير رواندا في المرتبة السادسة حيث تشغل النساء نسبة 50 في المائة أو أكثر من المناصب الوزارية في مجلس الوزراء. كما تحسن مجال التعليم في رواندا بشكل ملحوظ، حيث يتم توفير التعليم الأساسي المجاني الشامل لمدة 12 عامًا لجميع الأطفال دون أي تمييز.

ويوجد في البلد اليوم أكثر من 40 مؤسسة تعليم عالٍ تستوعب أكثر من 86000 طالب من جامعة واحدة كانت موجودة في 1994 تخِّرج أقل من 2,000 طالب سنويًا. وتستضيف رواندا جامعات دولية وتُموّلها مثل حرم جامعة كارنيجي ميلون بأفريقيا والعديد من مؤسسات التعليم العالي الأخرى في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والرياضيات والعلوم المفتوحة لجميع الأفارقة والناس من جميع الجنسيات، علمًا بتوّفر التأشيرة عند الوصول لجميع الجنسيات، فرواندا مفتوحة للعالم.

أصبحت رواندا الآن دولة نظيفة وخضراء وأقل فسادًا وآمنة للجميع، وأسهل مكان لإقامة المشاريع التجارية في أفريقيا، ولديها اقتصاد مفتوح ليبرالي وتعد مركزًا ناشئًا لتكنولوجيا المعلومات والاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض (MICE) والخدمات المالية. فيما يتعلق بالدور الإقليمي والقاري والدولي، فإن رواندا دولة عضو نشط في أكثر من 200 منظمة دولية. ولأن رواندا تعي تكلفة انعدام الأمن وعدم الاستقرار، فهي من أكبر الدول المساهمة بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. فضلًا عن اضطلاع رواندا بدور رئيسي على المستوى القاري في عملية إصلاح الاتحاد الأفريقي لتسهيل توجه الاتحاد الأفريقي نحو جدول أعماله 2063، بما في ذلك اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، الموقعة في 21 مارس 2018، خلال القمة الاستثنائية العاشرة للاتحاد الأفريقي الذي عُقد في كيغالي، رواندا. ونظرًا لأن البلد يواجه حاليًا جائحة كوفيد-19 مثل بقية العالم، كان فخامة الرئيس بول كاغامي في طليعة الداعين إلى المساواة في إتاحة اللقاحات وتوطين إنتاج اللقاحات في أفريقيا.

ووضع البلد كل إمكانياته لاحتواء الجائحة مع دعم الانتعاش الاقتصادي من خلال طرح صندوق الإنعاش الاقتصادي المتوقع أن يصل إلى 350 مليار فرنك رواندي بحلول نهاية عام 2021. وإذا نظرنا إلى الوراء، فقد تم إيقاف الإبادة الجماعية ضد التوتسي، وتم إطلاق سراح الروانديين منذ 27 عامًا، وشرعت القيادة الجديدة في النضال من أجل إعادة البلاد إلى الحياة الطبيعية، وإعادة الوحدة والأمن والسلامة للناس وكذلك ممتلكاتهم، واستعادة حقهم في الحياة والتعليم والصحة والازدهار العام.

حققت رواندا الكثير بالفعل ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، كما أكد فخامة الرئيس بول كاغامي في يوم التحرير الـ25: «إن منطق التحرير هو تحويل الأمور السيئة إلى أمور جيدة. وما حققه الروانديون حقيقي بلا شك. ولكن يجب أن نظل متواضعين بما يكفي لنعلم أن التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو الاستدامة». المناضلون من أجل التحرير من الشباب الباسل الذين بذلوا قصارى جهدهم من أجل رواندا التي نراها اليوم يلهمون الجيل الجديد لخدمة البلاد دون تحفظ. الشباب مدعوون اليوم إلى تبني قيم التضحية والنزاهة والشجاعة والعزم على الإبقاء على إرث النضال من أجل التحرير.

*سفير جمهورية رواندا لدى دولة الإمارات.