في الحادي والعشرين من سبتمبر الجاري ألقى جو بايدن أول خطاب له كرئيس للولايات المتحدة الأميركية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك على خلفية انتقادات شديدة من بعض الأصدقاء والحلفاء بسبب قراريه الأخيرين بخصوص أفغانستان وسياسة الدفاع الأميركية. 
عندما هَزم جو بايدن دونالد ترامب في انتخابات عام 2020، تنفس حلفاء أميركا الصُّعداء بشكل جماعي. ذلك أنه خلال مهامه السابقة في مجلس الشيوخ الأميركي أو كنائب للرئيس في عهد باراك أوباما، كان بايدن ممارساً محنكاً للسياسة الخارجية وكان قد زار معظم بلدان العالم عدة مرات. وخلافاً لترامب، كان محل إشادة وتقدير، كونه يدرك جيداً أهمية الدبلوماسية مع أقرب حلفاء أميركا الذين كانوا يشعرون بالحرج والقلق في كل مرة كان يقوم فيها ترامب بزيارة خارجية أو يرسل «تغريدة» على تويتر. لقد كان ترامب خشناً ومتعجرفاً، ويهدد الحلفاء باستمرار لأنهم لا يدفعون ما يكفي من المال من أجل الدفاع المشترك! كما انخرط في دبلوماسية شخصية خطيرة مع زعماء مثل كيم جونغ أون، وأقدم على سحب الولايات المتحدة بشكل مفاجئ من اتفاقيات دولية مهمة مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني الذي تفاوضت عليه ست دول، بما فيها الولايات المتحدة وإيران. 
والواقع أن الأشهر الأولى من عمر الإدارة الجديدة أظهرت تحسناً كبيراً في الاتصالات بين الحلفاء بخصوص المسائل المتعلقة بالتجارة والإرهاب وأفغانستان والشرق الأوسط وتغير المناخ والصحة العالمية بما فيها وباء «كوفيد-19». غير أنه خلال الشهرين الماضيين بات كل هذا الرصيد من حسن النوايا مهدَّداً بالتبخّر بسبب الطريقة التي تعاطى بها بايدن مع الانسحاب العسكري لبلاده من أفغانستان، وقيام كل من الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا باستبعاد فرنسا على نحو مفاجئ من صفقة غواصات مع أستراليا. 
وبخصوص أفغانستان، لم يُمنح كل حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين فرصة لكي يتدارسوا مع إدارة بايدن المسائل التكتيكية واللوجستية المتعلقة بالانسحاب، والذي كان يشدد بايدن على أنه ينبغي أن يستكمل قبل الحادي والثلاثين من أغسطس 2021. ونتيجة لذلك، حدثت حالة فوضى وارتباك وغضب، وانتاب الحلفاءَ استياءٌ كبير لأنهم لم يُمنحوا إشعاراً كافياً من أجل إجلاء قواتهم والمواطنين الأفغان الذين عملوا معهم ودعموهم خلال الحرب التي دامت عشرين عاماً. أما في ما يتعلق بفرنسا، فقد كان الرئيس إيمانويل ماكرون جد غاضب من سلوك الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لدرجة أنه أقدم في خطوة غير مسبوقة على استدعاء السفيرين الفرنسيين من واشنطن وكانبيرا. 
لكن، هل هدّأ الخطاب الذي ألقاه بايدن في الأمم المتحدة منتقديه؟ الواقع أن جوهر خطاب بايدن كان مطابقاً لما هو متوقع من رجل سعى جاهداً إلى أن يكون مختلفاً عن ترامب، إذ شدد على كل الموضوعات التي كانت متوقعةً، وقال: إن الولايات المتحدة «ستتولى الزعامة بخصوص كل التحديات الكبرى لعصرنا، من كوفيد-19 إلى المناخ والسلام والأمن والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، لكننا لن نقوم بذلك بمفردنا». وفي ما يتعلق بـ«كوفيد-19» والمشاكل الصحية العالمية الأخرى، دعا بايدن إلى آلية صحية عالمية جديدة من أجل «تمويل الأمن الصحي العالمي»، مشدداً على أن الولايات المتحدة أنفقت عالمياً أكثر من 15 مليار دولار على التصدي لجائحة «كوفيد-19» حتى الآن، وأنها ملتزمة بشراء 500 مليون جرعة لقاح ستُستخدم من قبل منظمة الصحة العالمية. كما أشار إلى التحديات التي يواجهها العالم الغربي جراء «سلوك الصين»، لكنه أكد على الحاجة إلى تجنب الانتقال من «التنافس إلى النزاع»، مشدداً على أن الولايات المتحدة «لا تسعى وراء حرب باردة جديدة». 
وعلى الرغم من هذه التصريحات الشجاعة والمرحب بها، فإن مصداقية بايدن ستظل على المحك. فمما لا شك فيه أن معظم حلفاء الولايات المتحدة يعتبرون خطابَه تحولاً مرحَّباً به عن شعارات «أميركا أولاً» التي كانت سائدة خلال سنوات ترامب. وبخصوص تغير المناخ، مثلاً، نجد أن الفرق مع ترامب قوي وكبير. لكن بخصوص المواضيع الحساسة الأخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، فإن الاختلافات بين الرئيسين قد تكون أقل وأصغر مما تبدو عليه. 

مدير البرامج الاستراتيجية في مركز «ناشيونال إنترست»