حين بدأت سفينةٌ تلقي بمرساتها في البحر قبالةَ جزيرة مينوركا الإسبانية، أدركت «نوبيا مانثاناريس» البالغة من العمر تسع سنوات على الفور العبثَ البيئي الذي يحدث أمام عينيها وهبت للتصدي له. و«نوبيا» تعلم ما يحدث جيداً لأنها تعرف ما تحت السفينة. إنه مرج بحري لما يعرف باسم «عشبة بوسيدون المحيطية» (بوسيدونيا أوشيانكا). ومرساة السفينة ستدمّر العشبة الثمينة، وقد تقتلعها من الأرض حين تغادر.

واستقلت نوبيا قاربَها وانطلقت تجدف نحو السفينة لتحذّرها من الضرر الذي تتسبب فيه. ونوبيا واحدة من بين كثيرين من سكان الجزيرة يبذلون كل ما في وسهم لحماية العشبة التي تكسو مروجاً واسعة ويعرفها البعض بأنها «رئة البحر المتوسط». وتكسو العشبة نحو 250 ميلاً مربّعاً في تربة البحر حول جزر البليار وحدها.

والعشبة مهمة في محاربة تغير المناخ وفي الحفاظ على النظام البيئي المحلي، لكنها تنحسر بمعدل مثير للقلق يبلغ 5% سنوياً. وكسبت جزيرة مينوركا سمعةً طيبةً بسبب النموذج الذي تتبنّاه في مجال السياحة المستدامة.

لكن مع نمو السياحة في العقود القليلة الماضية واستمرار انكماش مروج العشبة، تواجه الجزيرة تحدياً خطيراً. ويعمل سكان الجزيرة على حل المشكلة عبر التمسك بالقيم التي حافظت على الجزيرة حتى الآن، وهي احترام التوازن الطبيعي والرعاية الدقيقة للجزيرة ككل. ويرى «إيثاك أوليفس بيدال»، مدير المشروعات المستدامة في مجلس الإدارة الحكومي للجزيرة، أن «السياحة رفيعة الجودة هي تلك التي تتفهم وتقدر ما نمثله من قيم، هذا أهم شيء». وعشبة بوسيدون موجودة حول كل خط سواحل جزر البليار، وهو أرخبيل قبالة الساحل الإسباني يشمل مقصدَي إيبيثا ومالوركا السياحيين الشهيرين، وأيضا مينوركا الأصغر والأكثر نقاءً. ومروج عشبة بوسيدون تمتص سنوياً خمسة أمثال كمية ثاني أوكسيد الكربون التي يمتصها حجم مشابهة من غابة في الأمازون. وعشبة بوسيدون منتِج رئيسي للأوكسجين في المنطقة.

وكذلك تمثل هذه العشبة نظاماً فعالا للتنقية، كما توفّر وسطاً بيئياً ملائماً لنحو 20% من كائنات البحر المتوسط، إضافة إلى كونها تحمي خطوط السواحل من التآكل، وتساهم في تكوّن 85% من رمل الجزيرة. ودون عشبة بوسيدون لن تكون هناك مياه شديدة الصفاء أو سواحل رمال بيضاء يزورها السياح، وفق ما يقوله السكان. ويعتقد العلماء أن نحو 30% من عشبة بوسيدون في البحر الأبيض المتوسط اختفى بالفعل جرّاء الدمار الذي تسببه مراسي السفن والتزايد الكبير للمغذيات ومشروعات البناء. والعشبة تعاود النمو بمعدل بطيء، أقل من نصف بوصة كل عام، وإعادة زراعتها صعبة ومكلفة، لذا يعد الحفاظ عليها هو الحل المحوري. والسياحة وافدٌ جديدٌ نسبياً على مينوركا مقارنةً مع جزيرتي مالوركا وإيبيثا.

والسكان يقولون إن السبب في هذا هو قرار الدكتاتور فرانكو بألا يستثمر في الجزيرة الصغيرة بعد الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). ويقولون إنه أراد معاقبة مينوركا لأنها كانت معقلا للمعارضة، لكن هذا منح سكان الجزيرة بعض الوقت أدركوا فيه مخاطرَ التنمية الساحلية المكثّفة والسياحة الجماعية في جزر أرخبيل البليار الأخرى. ويرى فيكتور كاريتيرو، وهو فني بحرية في «مجموعة علم طيور البليار في منيوركا»، وهي منظمة بيئية ظهرت للوجود بعد احتجاجات ضد خطط تنمية حضرية في سبعينيات القرن الماضي، أن سكان مينوركا أكثر ميلا للحفاظ على البيئة، وهم يريدون حماية الجزيرة لأنهم يعلمون أن ما يجعلها جذابةً هو يقظةُ ضميرهم فقط. وحماية عشبة بوسيدون مسألة احترام للذات والطبيعة بالنسبة لروثيو مانثاناريس والدة نوبيا. لكن في العقدين الماضيين لاحظت روثيو أن السياح الذين يأتون إلى الجزيرة لا يعاملون السواحل أو البحر بالاحترام الواجب. وقد حققت التشريعات بعض التقدم في مجال حماية البيئة.

ففي عام 2018، أقرّت الحكومة الإقليمية لجزر البليار «مرسومَ بوسيدون» الذي يحظر رسو السفن فوق مروج العشبة وينظّم طريقةً للتخلص من العشبة التي تصبح نتنةَ الرائحةِ بعد أن تلقي بها الأمواجُ إلى الساحل. ويدفع نشطاء بيئة محليون وإدارةُ مدينة «مهون» (عاصمة الجزيرة) حكومةَ البليار نحو إضافة طبقة ثالثة في معالجة مياه الصرف قبل ضخها في المحيط لمنع انتعاش الطحالب الناتج عن زيادة المواد المغذِّية مما يمنع وصول الأوكسجين إلى العشبة. وبعض سكان الجزيرة قلقون من عدم بذل الحكومة ما يكفي من الجهد، والدليل على هذا أن السفن التي تلقي بالمراسي فوق العشبة لا يجري تغريمها غالباً بسبب الافتقار إلى المراقبة الكافية. ويعتقد سكان الجزيرة أن التثقيف هو الحل البسيط، لكنه غير السهل، لحماية العشبة.

وحققت الجزيرة بعض النجاحات باستخدام بعض الكتيبات حول العشبة، والتي تستطيع الفنادقُ توزيعَها على السياح. وكراساتُ المعلومات يمكن العثور عليها عند وكالات استئجار القوارب ومراكز إعلام السياح.

وهناك تطبيق على الهواتف المحمولة يسمح لقبطان كل سفينة بمعرفة أماكن الرسو الآمنة. وكوسيلة لتعميق هذا الفهم للقيم المحلية ولإزالة بعض الضغوط التي تؤثر على نقاء مياه الجزيرة، تعمل إدارة مدينة «مهون» على الترويج للسياحة الثقافية بإلقاء الضوء على أنشطة مراقبة الطير وفنون الطهي وركوب الخيل وآثار ما قبل التاريخ الحجرية والمتاحف المحلية. وتقول كونتيا خوانوالا، نائبة رئيس بلدية المدينة لشؤون الثقافة والبيئة، إن أهم شرط لتحقيق قطاع سياحي متوازن هو أن يكون السائح الذي يقضي بعض الوقت هنا من النوع الذي يحرص على معرفة قيم مينوركا وعلى فهم الثقافة، وأيضاً طبيعة النظام البيئي. هذا إلى جانب حرص سكان مينوركا أنفسهم على بذل كل ما في وسعهم لتثقيف السياح بشأن عشب بوسيدون البحرية الثمينة.

*صحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»