زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الولايات المتحدة من أجل مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعزيز أجندة الهند ثنائية الأطراف ومتعددة الأطراف والإقليمية، إذ ألقى خطاباً على الدورة السادسة والسبعين للأمم المتحدة، وحضر أول اجتماع حضوري لـ«المنتدى الأمني الرباعي»، وعقد محادثات ثنائية مع الرئيس جو بايدن. كما أجرى محادثات ثنائية مماثلة مع رئيس الوزراء الأسترالي سْكوت موريسون، ومع رئيس الوزراء الياباني «يوشيهيدي سوغا».

وكل هذه اللقاءات كانت مهمة من أجل الدفع بأجندة السياسة الخارجية الهندية وسط تحديات متعددة في المنطقة. عمّقت التطوراتُ التي تشهدها أفغانستان قلق الهند بشأن الوضع الأمني في شبه القارة الهندية. فمنذ أن صعدت باكستان إلى الواجهة كلاعب مهم في أفغانستان، أثار ذلك تخوفات في الهند بشأن كيف ستؤثّر تلك التطورات على المنطقة.

هذه الزيارة كانت مهمة بالنسبة لمودي على خلفية انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان وتشكيل تحالفات جديدة تؤشّر إلى أن نظاماً عالمياً جديداً بات قيد التشكل. وعلى هذه الخلفية، تحاول الهند صنع مكان لها في هذا النظام الجديد الناشئ وضمان حماية مصالحها الاستراتيجية.

والمنتدى الأمني الرباعي قد يكون في صميم كل هذا ويُعد في الوقت الراهن أهم تجمع متعدد الأطراف بالنسبة للهند. والهند تنظر إلى «الرباعي» باعتباره قوة ولكنها تشدد في الوقت نفسه على أنه ليس تجمعاً دفاعياً. فخلال اجتماع الرباعي، اتفقت البلدان الأربعة على توسيع مجالات التعاون وظل التركيز منصباً على مبادرة لقاح تروم مساعدة البلدان التي تجد صعوبة في الوصول إلى اللقاحات. وفي هذا السياق، شدد رئيس الوزراء الهندي على أن الرباعي يمثّل «قوة من أجل المصلحة العالمية» وأن مبادرة اللقاح ستساهم بشكل كبير في مساعدة دول المحيطين الهندي والهادئ.

ومن الواضح أنه إذا استطاع «الرباعي» إنجاح مبادرة اللقاح، فإنها ستشكّل مبادرة مهمة ستساعد البلدان التي ما زالت تعاني وتجد صعوبة في الحصول على اللقاحات الكافية لسكانها. وكانت بلدان «الرباعي» قد تعهدت خلال قمتها الأولى في مارس بأكثر من 1.2 مليار جرعة من اللقاحات لمحاربة الوباء.

ويتعلق الأمر بتسخير كل نقاط قوة البلدان الأربعة، مثل التصنيع بالنسبة للهند، والجوانب اللوجستية بالنسبة لأستراليا، والتمويل بالنسبة لليابان والولايات المتحدة، إلخ. وقد حصلت هذه المبادرة على دفعة قوية بعد أن أزالت الهند حظراً كانت تفرضه على الصادرات بسبب الطلب الداخلي بعد موجة ثانية من الوباء. غير أن مبادرة اللقاح ليست الوحيدة. إذ تعمل البلدان الثلاثة أيضاً على مجموعة عمل تكنولوجية مهمة – ولكنها ما زالت صاعدة – «لتسهيل التعاون حول المعايير الدولية وتكنولوجيات الابتكار المستقبلية».

وقال التجمع إن التعاون بشأن تكنولوجيات المستقبل المهمة يهدف إلى «ضمان أن يكون الابتكار منسجماً مع منطقة حرة ومفتوحة وشاملة وقوية». ولكن إلى جانب هذه المجالات، شهد الاجتماع الحضوري أيضاً توسيع التجمع للأجندة لتشمل الفضاء والأمن السيبراني وزمالة أكاديمية تتعلق بالمنتدى الأمني الرباعي لتوفير منح دراسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ومنذ أن تولى بايدن رئاسة الولايات المتحدة، كانت هناك جهود حثيثة لجعل عمل «الرباعي» ناجحاً وفعّالاً. فخلال الأشهر القليلة الماضية، حاولت الولايات المتحدة مراجعة علاقاتها مع جنوب شرق آسيا.

وفي هذا الإطار، زارت نائبة الرئيس كمالا هاريس سنغافورة وفيتنام في أول زيارة رسمية لها إلى جنوب شرق آسيا. كما يهدف الاتفاق الأخير بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة («أوكس») إلى توسيع الشراكة الأميركية في منطقة الهند المحيط الهادي. غير أن زيارة «مودي» شهدت أيضاً إعادة التأكيد على العلاقات الوثيقة التي تربط بين الهند والولايات المتحدة، والتي تعمقت أكثر خلال السنوات القليلة الماضية وبدأت فصلاً جديداً في تاريخ علاقاتهما، حيث التزم البَلدان بتعميقها في مجال الدفاع، إذ تحدث بايدن عن التزام الولايات المتحدة «القوي بالهند كشريك رئيسي في الدفاع».

وفي هذا الخصوص، سلّط بيان صدر عقب المحادثات الضوء على المشروع الأخير المتعلق بتطوير الهند والولايات المتحدة بشكل مشترك لمركبات جوية غير مأهولة تطلق من الجو في إطار «مبادرة تجارة وتكنولوجيا الدفاع». لقد عمّقت الهند والولايات المتحدة التعاون الدفاعي ووقعتا خلال السنوات القليلة الماضية اتفاقيات مؤسِّسة تعزّز التوافقية والتشغيل البيني بين الجيشين. وبالنسبة للهند، أضحت العلاقة مع الولايات المتحدة أهم علاقة، وباتت في صميم سياستها الخارجية. *

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي