بعد أن أكدت غالبية في البرلمان الهولندي هذا الأسبوع أن حكومتهم أساءت التعامل في عملية الإجلاء من أفغانستان بعد استيلاء «طالبان» على البلاد، أعلنت «سيجريد كاج» استقالتها من منصب وزير الخارجية. وصرحت «كاج» في بيان نُشر في الأيام القليلة الماضية، ما نصه: «رغم أنني اتمسك بالتزامي، لا يسعني إلا قبول مسؤوليتي».

وفي اليوم التالي لهذا البيان، نشرت «آنك بيلفيلد»، وزيرة الدفاع، بيان استقالتها قائلة إنها لم تعد تستطيع «تحمل المسؤولية بشكل مناسب عن شعبي» في غمرة انتقادات. وهذه التحركات في هولندا تمثل علامة أخرى عن مدى ما تسبب فيه انهيار الحكومة الأفغانية- نتيجة سحب إدارة الرئيس بايدن كل القوات الأميركية المتبقية من البلاد- من اضطرابات في ما يبدو داخل العواصم الأوروبية، لكن ليس بالقدر نفسه في واشنطن. ففي بريطانيا، أدخل رئيس الوزراء، بوريس جونسون، تعديلا على وزارته مخفضا رتبة حليفة «دومينيك راب»من وزير الخارجية -وهو من أكبر المناصب السياسية في المملكة المتحدة- وناقلاً إياه إلى منصب وزير العدل. وركز جانب من الانتقاد لأعمال الحكومات في أوروبا على رد الفعل البطيء والفوضوي على سقوط كابول والمشاهد التي أعقبت ذلك في مطار المدينة.

وتعرض «راب» لانتقادات لقضائه عطلة في جزيرة كريت اليونانية، بينما كانت طالبان تستحوذ على كابول. وانخرط راب لاحقاً في سجال محتدم مع وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، بشأن إذا ما كان سقوط الحكومة الأفغانية كان من الممكن التنبؤ به. صحيح أن «راب» تم تقليل رتبته حرفياً، لكنه حصل على لقب جديد هو نائب رئيس الوزراء وهو منصب غير مستخدم في بريطانيا عادة، وهو ما رأى فيه البعض ترقية في الوقت ذاته. وتعرضت الحكومة الهولندية في الوقت نفسه لانتقادات لعدم وضعها خطة لإجلاء موظفي السفارة وأسرهم من كابول رغم التحذيرات الدبلوماسية المتكررة من تقدم طالبان. وصوت مشرعون من ألوان الطيف السياسي المختلفة في الأيام القليلة الماضية على تأييد توجيه اللوم الشديد لكل من كاج وبيلفيلد في وزارة حكومة تسيير الأعمال التي يرأسها مارك روته. ورغم أن التصويت في البرلمان لم يطالب الوزيرتين بالاستقالة، لكنهما اختارتا هذا. وواجهت حكومات أخرى انتقادات حادة بسبب تعاملها مع عملية الإجلاء.

فقد واجه وزير الخارجية الألماني، «هايكو ماس»، مطالبات بالاستقالة بعد أن شكا أفغان يعملون في حكومته من البطء الخطير في الخروج من البلاد. ولم يلق «ماس» بالاً حتى الآن إلى هذه المطالبات، لكنه اعترف بأن الحكومة ارتكبت أخطاء، وأساءت إدارة الموقف. والوضع في أوروبا في تناقض مع الولايات المتحدة التي قادت غزو أفغانستان وحافظت على بقاء أكبر عدد من الجنود داخل البلاد، ثم في نهاية المطاف، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، أبرمت صفقة مع «طالبان» لسحب قواتها من أفغانستان. وفي الأيام القليلة الماضية، واجه وزير الخارجية «أنتوني بلينكن» استجوابا حادا من المشرعين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بشأن تعامل وزارة الخارجية مع جهود الإجلاء من أفغانستان. ودعا بعض المشرعين إلى لجنة مستقلة في أفغانستان.

وطالب «الجمهوريون» بلينكن وآخرين بالاستقالة بسبب ما حدث في أفغانستان، لكن الرئيس جو بايدن أعلن أنه لن يطالب باستقالة أحد بل يتحمل كامل المسؤولية عن أي قرار بشأن أفغانستان. وترسم استطلاعات الرأي صورة أكثر تعقيداً للدعم الأميركي لفريق بايدن، فهناك كثيرون يؤيدون بقوة تحرك الإدارة للانسحاب من أفغانستان، لكن الطريقة التي تم بها الانسحاب تفتقر للتأييد.

فقد أدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى تجدد الدعوات الأوروبية إلى إعادة النظر في اعتماد القارة العسكري والدبلوماسي على واشنطن وهي دعوات لم تزد إلا قوة مع استمرار قيود حظر سفر الأميركيين إلى أوروبا، ومع إحباط فرنسا التي خسرت صفقة لبيع غواصات لأستراليا التي اشترت بدلاً منها غواصات أميركية.

وفي كلمة في الآونة الأخيرة وُصفت على نطاق واسع باعتبارها خطاب حالة الاتحاد، لكنه خاص بالاتحاد الأوروبي، أشارت «أورسولا فون دير لين»، رئيسة المفوضية الأوروبية أن التكتل يحتاج إلى إعادة النظر في آماله لتحقيق الاستقلال الأمني. ومضت تقول «بوسع أوروبا، ومن الواضح أنه يجب عليها، أن تكون قادرة ومستعدة لأن تقوم بالمزيد بنفسها».

صحفي متخصص في الشؤون الخارجية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»