من جرّب النجاح أدمنه، ومن ذاق طعم الإنجاز هانت عليه مشقاته، والدول مثل البشر، فيها الهرم والفتيّ، النشيط والكسول، الطموح والخامل، والأغرب أن الدول تغار من بعضها، فالفاشل تتحكم به الغيرة من الناجح والمنجز.

«إكسبو 2020» كان حلماً إماراتياً صعباً، وقد ظفرت به دولة الإمارات العربية المتحدة وأحسنت التحضير له ورعايته حتى تم افتتاحه بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في احتفالٍ حضاري مبهرٍ قبل أيامٍ. كان الاحتفال حقاً بحجم المعرض الذي يشكل علامة فارقةً في تاريخ «إكسبو» العالمي ونقلة نوعيةً للمعرض في الماضي والمستقبل.جائحة «كوفيد 19» عطّلت العالم بأسره وأخرت خططه وغيّرت حياة البشر جميعاً، وكانت تحدياً حقيقياً للبشرية واقتصادها وتواصلها وحياتها بشكل عامٍ، وقد قبلت دبي التحدي وأخذت على عاتقها إكمال المنجز وإتمام المهمة وتجاوز الصعاب حتى كان الافتتاح بكل رمزيته دولياً في قيادة العالم لحياة جديدةٍ منفتحة تتعامل مع الجائحة بكل الحذر المطلوب وبكل القدرة على العودة لحياةٍ طبيعيةٍ.

من صحراء جرداء قبل سنيّاتٍ معدودة إلى ما يشبه المدينة المتكاملة بكل أبنيتها الحديثة وبنيتها التحتية وخدماتها المتقدمة كان موقع «إكسبو 2020»، مدينة جمعت أكثر من 190 دولة من شتى أصقاع العالم، جاءت جميعاً لتعرض ثقافتها وحضارتها وتاريخها ومستقبلها، وتقدم للمستثمرين فرصاً للمستقبل ورؤية للتقدم وتقول كل ما تستطيع ضمن هذه المنظومة العالمية المشعة.

مدة المعرض ستة أشهرٍ ابتدأت قبل أيامٍ، وقد تسنّى لكاتب هذه السطور القيام بزيارةٍ سريعةٍ للجناح السعودي في المعرض، فالمعرض لا تكفيه زيارةٌ واحدةٌ بأي حالٍ من الأحوال، ومع ضيق الوقت إلا أن الزيارة تلقي بظلالها الإنسانية وشعورها الغامر بالفخر والاعتزاز لا العاطفي فحسب، بل والعقلي الذي يعي حجم الجهد والعمل المبذول، وصولاً إلى هذه اللحظة. يعتبر الجناح السعودي ثاني أكبر جناح بعد الجناح الإماراتي، وبوادر النجاح تستقبلك قبل أن تدخل الجناح باصطفاف الزائرين في خطٍ متعرجٍ مزدحمٍ وتنظيمٍ راقٍ لتفويج دخول الزوّار، وفي الانتظار داخل المعرض شاشة عرضٍ كبيرةٍ تعرض لقطاتٍ متنوعةٍ للمناطق السعودية يقوم بشرحها أحد الشباب السعوديين باللغتين العربية والإنجليزية، بينما هو يرحّب بالناس بألطف العبارات وأرق التحايا.

شابات وشباب سعوديون، متعلمون، راقون متميزون هم من أوكل إليهم التعامل مع الجميع بتميّزٍ واحترافيةٍ تثبت أنه مع كل الاستثمار في التقنيات والمباني والخدمات إلا أن الاستثمار في الإنسان هو الأكثر نجاحاً والأبقى حضوراً وتأثيراً، وبعد الدخول تكتشف أن مناطق السعودية الثلاث عشرة معروضةٌ على جانبي السلم الكهربائي بتقنيات عالية في شكل مجسماتٍ ومنحوتاتٍ لا تملّ العين مشاهدتها وتعرج الروح معها وكأنها تترقى في مدارج الكمال والجمال.

يدخل الزائر إلى قاعةٍ تعرض تفاصيل كثيرةٍ عن كل مناطق السعودية في مقاطع فيديو تظهر جمالاً أخاذاً وتضاريس متباينة وبيئة متنوعة تخلط التاريخ بالحاضر بالمستقبل كما يليق بدولة بحجم قارةٍ، في تفاعلٍ وتكاملٍ يثير الدهشة ويُعلي الهمة ويرفع الطموح، والناس تصعد النظر في جوانب الشاشات الكبرى وتخفضه للشاشات السفلية في مشهدٍ بانورامي يجعلك تعيش اللحظة بكل جوانبها.

بعد ذلك قاعةٌ أخرى لعرض رؤية السعودية 2030 بتفاصيل يتم سردها بشكل سلسٍ ومشوّق توضح المستقبل والتطلعات والطموحات والفرص والمشاريع المستقبلية الكبرى التي يتم العمل فيها على قدمٍ وساقٍ بحثاً عن مستقبلٍ أفضل وقادمٍ أزهى. أخيراً، فرمزية «إكسبو 2020» في دبي والجناح السعودي توضحان أن الإمارات والسعودية تخططان للنجاحات وتتسابقان نحو الإنجازات وتتطلعان لمزيدٍ من الطموحات، وأن صراعات المستقبل لا علاقة لها بأيديولوجيات الماضي عربياً وإقليمياً ودولياً.

* كاتب سعودي