لا شك أن الضربات التي توالت على «الإخوان» في بلاد المغرب العربي، مع فضح نواياهم وكشف مخططاتهم؛ جعلتهم في موضع لا يحسدون عليه، وهم الذين يريدون خدمة مصالحهم فقط، وبعيداً عن مصلحة الشعب، ولهذا تنجح الشعوب في تلقين تجار الدين درساً قاسياً يضاف إلى ما سبق وحدث معهم في بلدان أخرى، الأمر الذي قد يضع حداً لنمو هذا التيار الذي يفسد مشاريع التنمية التي تنقل الشعوب إلى مكانة أفضل مما هي عليه الآن بكثير. قارئ المشهد سيرى كيف يتوالى سقوط جماعة «الإخوان»، وهم الذين لا مشروعاً نهضوياً لديهم، ولهذا ترفضهم الشعوب، كما حدث مؤخراً في المغرب ومن قبلها تونس.

ففي المغرب رفضتهم القوى الشعبية، وفي تونس أيضاً، إلى جانب ما اتخذه الرئيس قيس سعيد من قرارات في 25 يوليو الماضي، تبعها إعلان 113 قيادياً في حركة «النهضة» استقالتهم الجماعية، ما يعني أن الحركة وزعيمها يواجهان مصيراً وكأنه محتوم، وهو الخروج من الحياة السياسية، وبالتالي إيقاف كل ما كانوا ينزعون إليه ويعملون على تحقيقه في ظل دعم قوى خارجية لهم.

إن استقالة قيادات بارزة من حركة «الإخوان» في تونس، من بينهم ثمانية وزراء سابقين وأعضاء من المجلس الوطني التأسيسي وعدد من أعضاء مجلس الشورى ومجالس الشورى الجهوية والمكاتب الجهوية والمحلية، بمثابة زلزال ضرب أركان «النهضة» وجذورها «الإخوانية، والانشقاق الذي حدث ويحدث فيها وكأنه قفز من مركب هو غارق أصلاً، فضلاً عن الرغبة بالهروب من المواجهة والمحاسبة القضائية والشعبية.

في المقابل، مُني حزب «العدالة والتنمية» في المملكة المغربية بهزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية بعد عشرة أعوام قضاها في رئاسة الحكومة، وسجل الحزب تراجعاً كبيراً، فانخفضت حصّته في البرلمان من 125 مقعداً في إلى 12 مقعداً فقط في البرلمان الجديد، محتلاً المرتبة الثامنة في قائمة الأحزاب المتنافسة.

ظهرت التصدعات في صفوف الحزب ودعا رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران خلفه سعد الدين العثماني إلى الاستقالة فوراً من قيادة الحزب. كانت الانتخابات المغربية حافلة بالرسائل والدلالات السياسية، سواء من حيث نسبة المشاركة التي فاقت 50%، أو من جهة عدد المشاركين في اللوائح الانتخابية. المغرب بلد مستقر، وقد حقق نتائج اقتصادية باهرة في ميادين عدة بفضل الخيارات الاستراتيجية التي يقرها الملك محمد السادس، فيما الأداء الحكومي، لا يواكب ذلك، كما لم يقدم الحزب جديداً لدخول مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات لتدشن بها المغرب نموذجاً تنموياً يتناسب مع رؤية 2035 التي ولا شك أن تتطلب عملاً جاداً ودؤوباً يبني البلد ولا يهدمها، يفتح آفاقاً ولا يلغيها. الصورة الآن باتت أوضح، والخسارة التي طالت «الإخوان» في بلاد المغرب العربي هي تعبير دقيق عن تراجع حضور التنظيم في المنطقة العربية عموماً.

إن الأحزاب والحركات «الإخوانية»، وما تواجهه من رفض واستنكار شعبي يؤكد أن الفكر «الإخواني» بحد ذاته يمر بمرحلة حرجة. ومع ذلك، فإن سقوط «الإخوان» لن يكون سهلاً، ولن يكون سريعاً، لذلك لا بد من  الحذر، فما يزال الوضع في تونس بالذات على المحك، خصوصاً وأن ثمة  خلايا نائمة موجودة، وهي مدمرة وجاهزة دوماً للهدم وتعطيل المسار دون أن يكون لها نصيب في أي عمران.