في الأسابيع الماضية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجول في أنحاء فرنسا ويلقي خطباً حول القانون والنظام، ويعد بقطارات عالية السرعة أكثر مواءمة للبيئة. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية في يونيو القادم، يستعد ماكرون لخوض السباق –رغم أنه لم يعلن رسمياً عن نيته للترشح.

ولكن مع قيامه بذلك، هناك دور آخر لا يقل أهمية يجب القيام به، حيث ستتنحى أنجيلا ميركل بعد 16 عاماً عن تولي منصب المستشارة الألمانية وأبرز زعيمة في أوروبا. وهذا يترك فرصة لفرنسا، ثاني أكبر دولة في أوروبا واللاعب الآخر في الشراكة الفرنسية –الألمانية الوثيقة على مدار التاريخ، وأيضاً لماكرون ملء فراغ السلطة الذي ستتركه.

ولكن في الوقت الذي تستعد فيه فرنسا لتولي الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر في يناير، ودخول ألمانيا في فترة تقلب فيما تعمل على تشكيل تحالفها القيادي، يتعين على ماكرون أن يطرح ما هو أكثر من الطموح على طاولة المفاوضات. سيتعين عليه أولا أن يكافح لملء الفراغ الهائل الذي ستتركه ميركل. فقد أشيد بالمستشارة الألمانية لمبادئها الأخلاقية الثابتة، وسياساتها المدروسة وقدرتها على الحصول على توافق في الآراء عندما يتعلق الأمر بالقرارات المثيرة للجدل بشأن الهجرة والاقتصاد.

يقول بول فاليت، الباحث الفرنسي الأميركي في التاريخ الأوروبي في مركز جنيف للسياسة الأمنية، إن وجود شخصية قوية ترأس أوروبا «يمثل أهمية جوهرية. أحد الأسباب التي تجعل الناس على المستوى المحلي يشعرون أنهم منفصلون عن دور أوروبا في العالم هو شعورهم بالانفصال عن قادة الاتحاد الأوروبي الرسميين». وأضاف: «لذا فإن حجم النفوذ الذي يمكن للقائد أن يمارسه هو أمر مهم على الإطلاق». إلى جانب ميركل «هناك عدد قليل جداً من الشخصيات البارزة، الأمر الذي يترك مجالاً للرئيس الفرنسي للظهور كقائد مؤهل للغاية».

يعد التعاون الأوروبي بالغ الأهمية بالنسبة لفرنسا، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الأمة والكتلة حالياً. وقد تصدرت قدرة الاتحاد الأوروبي على الصمود وقدرات الدفاع المستقلة الأجندة الفرنسية في الأسابيع الأخيرة، بعد أن ألغت أستراليا عقد لشراء غواصات بقيمة 66 مليار دولار من فرنسا، واختارت بدلاً من ذلك الشراكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن جائحة كوفيد-19 وتغير المناخ والتحديات الجيوسياسية التي تمثلها روسيا والصين قد سلطت الضوء بالفعل على قيمة التعاون بين الدول الأعضاء في الكتلة الأوروبية.

كان ماكرون مروجاً عظيما لأوروبا منذ أيامه الأولى كرئيس لفرنسا، حيث ألقى خطابا طموحاً في جامعة السوربون، واقترح أجندة إصلاحية مفصلة تركز على السيادة القارية والدفاع، ودعا ألمانيا إلى لعب دور قيادي. تقول جورجينا رايت، رئيسة برنامج أوروبا في معهد مونتين، وهو مؤسسة فكرية في باريس: «كانت فرنسا تحاول بنشاط التأثير على مسار الاتحاد الأوروبي.

وأعتقد أنه من الواضح أن الكثير مما يناقشه الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي –سواء كان اتفاق المناخ، أو السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي، أو القرارات المتعلقة بتنظيم التكنولوجيا –وكلها أمور كانت فرنسا تدفع بها». لكن إنجازات ماكرون لم ترق إلى مستوى طموحاته.

 

ووجد استطلاع للرأي أن 51% من المستجيبين سيصوتون لميركل مقابل 14% لماكرون في انتخابات افتراضية لرئاسة الاتحاد الأوروبي. قد يكون النقص النسبي في التأييد ناجماً جزئياً عن تعامل ماكرون مع المشاكل في بلاده، حيث شاب رئاسته اضطرابات اجتماعية، لا سيما احتجاجات «السترات الصفراء» والإرهاب المحلي. وحتى إذا كان ماكرون يروج دائماً لرؤية قوية لأوروبا بأفكار جديدة، فقد تعرض لانتقادات. على سبيل المثال، في نوفمبر 2019، قال لمجلة «إيكونومست» إن «الناتو» يعاني من «الموت الدماغي».

وبدت كلماته الفظة للألمان وكأنها تلميح إلى أن «الناتو» لا قيمة له، وتجنبوا دول وسط وشرق أوروبا التي يعتبر «الناتو» عنصراً قيّماً في الدفاع عنها. من ناحية أخرى، يقول المراقبون إنه لا ينبغي اعتبار رئيس الوزراء الإيطالي «ماريو دراجي» شخصية مؤثرة في أوروبا، وأن روما وبرلين وباريس يمكن أن تشكّل تحالفاً ثلاثياً للمساعدة في اتخاذ القرارات. ومع ذلك، من المرجح أن تهيمن شراكة ألمانيا وفرنسا القوية تاريخياً على أجندة السياسة الأوروبية، ذلك لأن ألمانيا باعتبارها الأكبر في الكتلة وفرنسا باعتبارها واحدة من أكثر الدول حماساً بشأن التكامل والسيادة الأوروبيين.

* كاتبة متخصصة في الشؤون الفرنسية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»