رغم ظهور بدايات انحسار وباء كوفيد19 في عدد من دول ومناطق العالم، ترك هذا الوباء خلفه آثاراً مدمرة شبيهة بآثار العواصف والأعاصير، مست جميع جوانب الحياة الإنسانية، بما في ذلك الجانب الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وغيرهم. إحدى تلك الجوانب، كانت الصحة العقلية للكثيرين، كنتيجة للعمل عن بُعد والابتعاد عن بيئة العمل والزملاء، وأحياناً فقدان الوظيفة أساساً والبطالة، وهو ما امتد أيضاً للأطفال والمراهقين من خلال الدراسة عن بعد وافتقادهم البيئة المدرسية ورفقاء الدراسة، بالإضافة إلى فقدان التواصل المباشر مع الأهل والأصدقاء والأحباب، وهي جميعها ظروف حياتية شاذة واستثنائية، تطلبت بعض الوقت للتأقلم معها، ولم ينجح الكثيرون أصلاً في التكيف معها بالشكل الكاف. ناهيك عن موجة الرعب من هذا القاتل الخفي، والتي اجتاحت العالم لفترة ليست بالقصيرة، ليس فقط خوفاً على حياة الشخص نفسه، بل أيضاً خوفاً على حياة أفراد عائلته وأحبابه.

كل هذه الظروف والملابسات، وضعت ضغوطاً هائلة على الصحة العقلية والنفسية لجزء لا يستهان به من أفراد الجنس البشري، وزادت وطأة تلك الضغوط على بعض الفئات، مثل العاملين بقطاع الرعاية الصحية وغيرهم من أفراد خط المواجهة الأول، والذين كانوا يشهدون بشكل يومي فداحة الثمن الإنساني لهذا الوباء، وغيرهم من فئات المجتمع، كمن يعانون أصلاً من مشاكل صحية وعقلية، أو من كانوا يعيشون منعزلين منفردين في بيوتهم ومنازلهم.
وأمام هذا الوضع، وكنتيجة لتزايد الإحساس بخطورته، وضمن اجتماع الجمعية العمومية للصحة العالمية في مايو الماضي، توافقت حكومات العالم جميعها تقريباً، على الحاجة الماسة لرفع مستوى ونوعية الرعاية الصحية العقلية لمواطنيها، وضرورة ابتكار استراتيجيات وسبل جديدة لإيصال هذا النوع من الرعاية لشعوبها. إحدى تلك الاستراتيجيات كانت استغلال فعاليات اليوم العالمي للصحة العقلية (World Mental Health Day) والذي يحل كل عام في العاشر من شهر أكتوبر، لإلقاء الضوء على الجهود المبذولة في بعض الدول وإظهار قصص نجاح شخصية، وأحداث قومية إيجابية، ونشاطات وفعاليات ومشاريع وطنية، لإلهام الأفراد والمجتمعات، وحثهم على التفاؤل في نظرتهم المستقبلية. 

وبالنظر إلى أن الأطفال والمراهقين تعرضوا لأكبر قدر من الحرمان الاجتماعي خلال الوباء، في فترة حرجة من نموهم النفسي والعقلي والاجتماعي، سعت الجهات والمنظمات العاملة في مجال الصحة العقلية، وربما للمرة الأولى، لتفعيل شراكات مع شركات تطوير برامج الكمبيوتر وألعاب الفيديو، والتي قضى معظم الأطفال المراهقين جل وقتهم في أحضانها خلال الفترة الماضية، للخروج بسيناريوهات في تلك الألعاب تدعو للاستبشار، ونهايات ترتكز على التفاؤل والتيمن بالمستقبل، وهو ما يعتبر ابتكاراً محموداً لإيصال نوع خاص من الرعاية الصحية.

كاتب متخصص في الشؤون العلمية والصحية