أدى الطلب الهائل والمتزايد على الصناديق ومواد التعبئة أثناء الجائحة إلى انخفاض إنتاج الورق في جميع أنحاء أميركا الشمالية، ولم يكن من الممكن أن يأتي في وقت أسوأ بالنسبة لشركات البيع بالتجزئة. قالت بولي وونج، رئيسة شركة «بيلاردي وونج» للتسويق المباشر، ومقرها سان فرانسيسكو: «بدأنا نسمع عبارة (نفد الورق)، مشيرةً إلى أن بعض عملائها فاتتهم بالفعل الحملات الإعلانية في الخريف بسبب مشكلات في دور الطباعة». ووفقاً لتقديرات وونج، فإن 100 مليون كتالوج لن تتم طباعتها ولن تصل إلى منازل في الولايات المتحدة في الوقت المناسب بالنسبة لموسم الإنفاق الأكبر لهذا العام نتيجة لذلك.
ومع تحول بعض المصانع إلى الورق المقوى لمواجهة الارتفاع في عمليات تسليم التجارة الإلكترونية، وإغلاق البعض الآخر تماماً، أصبح أكثر من 2.5 مليون طن متري من سعة ورق الطباعة والكتابة في أميركا الشمالية –أو ما يقرب من خُمس مستويات 2019– خارج الخدمة منذ بداية العام الماضي، وفقاً لما ذكره كيفين ماسون، العضو المنتدب لشركة «إي آر إيه فوريست»، وهي شركة أبحاث مالية متخصصة في المنتجات الورقية. وعادة ما تتطلع دور الطباعة إلى الخارج بحثاً عن الإمدادات، لكن التكاليف اللوجستية المرتفعة والطلب المتزايد على العبوات في الأسواق الأخرى، قيّدا هذا الخيار. وانخفضت واردات الولايات المتحدة من الورق والورق المقوَّى من حيث الحجم بنسبة 9.7% العام الماضي. وقال ماسون إن الإمدادات من نوعيات معينة باتت شحيحة الآن لدرجة أن بعض دور الطباعة التجارية لا تستطيع الحصول على الورق الذي تريده «بأي ثمن».
هذه المشاكل التي يعاني منها تجار التجزئة ليست سوى أحدث اضطراب يضرب القطاع بسبب الوباء. وهناك نقص آخر في ورق التواليت والمناشف الورقية، كما كان الحال في بداية الجائحة، في بعض الأماكن، حيث عاد عدد قليل من البقالين إلى وضع حدود على كميات الشراء للقضاء على ظاهرة اكتناز المنتجات. ويشير ناشرو الكتب أيضاً إلى التحديات التي يواجهونها للحصول على الورق لطرح كتب جديدة. ويشهد الطلب على المنتجات الورقية ارتفاعاً بالفعل، حيث تتوقع صناعة البيع بالتجزئة أكبر موسم تسوق في خمس سنوات على الأقل، لاسيما عقب العودة إلى المدارس مؤخراً بعد عام من التعلم الافتراضي.
ومن ناحية أخرى، أدت مشكلات سلاسل التوريد إلى اضطراب الأسواق الخارجية أيضاً. في المملكة المتحدة، واجهت محلات السوبر ماركت نقصاً متقطعاً في المنتجات التي تُستخدم بشكل يومي، مثل ورق التواليت، في الفترة التي سبقت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبعدها. وأشارت شركة «دي إس سميث» لصناعة التغليف في لندن، والتي تدير تسعة مصانع للورق في أوروبا واثنين في أميركا الشمالية، إلى «الزيادات الكبيرة في أسعار الورق»، وذلك خلال مكالمة عن أرباحها في وقت سابق من هذا الشهر. وقال الرئيس التنفيذي للشركة مايلز روبرتس: «سوق الأوراق، كسوق بشكل عام، محدود للغاية. لقد شهدنا العديد من الزيادات في أسعار الورق. ولن أفاجأ إذا حدثت زيادات أخرى لأن السوق صعب للغاية»، مشيراً إلى أن الشركة تمكنت من الحصول على المواد الخام بسبب «علاقاتها القوية طويلة الأجل».
وتتعلق أزمة الورق في أميركا الشمالية بقدرة المصانع والعمالة المحدودة أكثر من ارتفاع تكاليف المواد الخام. والعقود الآجلة للأخشاب –التي بلغت رقماً قياسياً وصل إلى 1.733.50 دولار لكل ألف قدم من الألواح في شهر مايو، مما ساعد على زيادة تكلفة كل شيء، بدءاً من ورق التواليت إلى الأرضيات الخشبية –تراجعت منذ ذلك الحين لتقترب من معدلاتها الطبيعية، حيث أغلقت عند 638.80 دولار يوم الخميس الماضي.
وفيما يتعلق بالقدرات المجهدة في الولايات المتحدة، قال مارك جروف، نائب رئيس المبيعات للمنطقة الشرقية في شركة «ناهان» لطباعة الكتالوجات بولاية مينيسوتا: «لم نشهد هذه الأوضاع من قبل»، مضيفاً أنها «تؤثر على جميع دور الطباعة، مما يؤثر على عملائنا». وأوضح جروف أن متوسط سعر الورق ارتفع بنسبة 16% هذا الصيف. وتتوقع الشركة استمرار هذه الضائقة حتى عام 2023.
يضرب هذا النقص في الورق شركات مثل «بريو» في بنسلفانيا، والتي أصدرت أول كتالوج مطبوع لها على الإطلاق في مايو بعد أن حفّز الوباء طفرة في المبيعات في العام السابق.
وتمثل الضائقة الأخيرة تحولاً كبيراً لقطاع انقلب رأساً على عقب في العقود الأخيرة بفعل الإنترنت. وعلى الرغم من أن الكتالوجات التي يتم طلبها عن طريق البريد كانت الدعامة الأساسية للتسوق في أميركا -حيث كان بإمكان المستهلكين شراء منازل كاملة من كتالوج سيزار، إلا أن الطلب على الورق آخذ في الانخفاض في عالم تتزايد فيه الرقمنة، مما دفع العديد من مصانع الورق إلى تغيير مسارها. في الواقع، تراجع التسويق عبر البريد المباشر كثيراً بين عامي 2008-2015. لكن المطبوعات بدأت في العودة ببطء. في عام 2018، أضافت شركة الإنترنت العملاقة أمازون كتالوجاً مادياً للألعاب للاستحواذ على شركة «تويز آر أس» بعد إفلاسها.

مارسي نيكولسون وأميليا بولارد

صحفيتان أميركيتان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»