برغم استمرار حالة التجاذب بين الأطراف الليبية حول ما تم الإعلان عنه، والخاص بقانون الانتخابات التي سيجري بمقتضاه الاستحقاق السياسي والدستوري والمتمثل في الانتخابات التشريعية والرئاسية، إلا أنه من الواضح أن هناك اتفاقاً على أن تبدأ الانتخابات الرئاسية في 24 من ديسمبر والبرلمانية بعدها بشهر، وفي ظل تأكيد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي على أنه لا خيار أمام الليبيين سوى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والعمل على استمرار خيار المجلس الرئاسي في التواجد، وممارسة دوره في الاتجاه لتنفيذ مهامه خاصة بعد الإعلان عن تفاصيل قانون انتخابات السلطة التشريعية القادمة، الذي تم إقراره وصدق عليه أغلبية أعضائه، وقام بتحديد شروط الترشح، ونظام الاقتراع وكيفية توزيع الدوائر الانتخابية، إلى جانب وضع ضوابط الدعاية الانتخابية والنص على الجرائم الانتخابية.

القانون نص على أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، هي الجهة الإدارية المشرفة على إدارة وتنفيذ العملية الانتخابية.

وتعتمد الانتخابات القادمة نظام الانتخاب الفردي، أي لا يمكن أن تشارك الأحزاب السياسية في الانتخابات عن طريق القوائم. وبرغم ذلك التوافق إلا أن هناك تحفظات مستجدة ستؤثر في تحديد المسار القادم منها موقف المجلس الأعلى للدولة في ليبيا الذي أعلن رفضه لقانون انتخاب الرئيس والبرلمان، وهو القانون الذي أقره مجلس النواب، ليعلن من جانبه القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات العامة، فضلا عن قانون مجلس الأمة بغرفتيه العليا والسفلى، وشروط الترشح لمنصب رئيس الدولة على اعتبار أن مجلس النواب الليبي، لم يتشاور مع المجلس الأعلى للدولة حول القانون، والمعروف أن هذا المجلس قد تأسس على خلفية الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية، وللمجلس دور استشاري في صياغة القوانين وإدارة شؤون البلاد. كما انتقدت بعض الأحزاب مثل حزب «العدالة والبناء» عدم تشاور مجلس النواب الليبي مع المجلس الأعلى للدولة قبل الإقدام على خطوة إقرار قانون الانتخابات.

وحذر حزب «التغيير» من أن القانون سيكرس القبلية على حساب المشروعات،والبرامج السياسية التي تطرحها الأحزاب من خلال قوائمها الانتخابية. ومن المفترض أن تعكس هذه الخطوات التنازع بين جهات سن القوانين وإصدارها في البلاد، ما يعيد للأذهان سيناريو الانقسام بين المؤسسات إلا أن تصميم اللجنة العسكرية الليبية المشتركة على المضي قدما في مسار إجراء الانتخابات يؤكد على أنها ستتم وفق الخريطة المحددة، خاصة مع إعلان اللجنة عن وضع خطة عاجلة لطرد المقاتلين المرتزقة، خاصة أن بعض الاعتراضات المثارة تشبه الاعتراض على نص المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية، والتي أثارت كثيراً من الاعتراضات، إذا أشارت إلى إمكان ترشح مسؤول عسكري إذا توقف عن العمل، وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله. وبدا أن المادة صيغت مناسبة للمشير حفتر، خاصة وأنه الأبرز في المشهد الراهن برغم ظهور شخصيات أخرى من الشرق والغرب بل ومن الجنوب.

إضافة لهذا سيظل التحفظ قائماً حول ترشح ممثلي الأحزاب السياسية، وفي ظل حداثة التجربة الحزبية، وبالتقاليد القبلية، فإن فرص الأحزاب في مقاعد البرلمان القادم محدودة.

وبحسب القانون، لن يحظر مشاركة الأحزاب، لكن بشرط اتباع النظام الفردي وليس القائمة، وهو الأمر محل خلاف لمن اعتبرها تجربة جديرة بالاستمرار فالأحزاب التي ظهرت منذ 2011 ضعيفة، بل وبعض الشخصيات التي أسستها متهمة بسرقة المال العام.

وبرغم كل ما يطرح من إشكاليات، فإنه لا خيار سوى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس، ومن يمثل الليبيين في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية وبناء هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية السياسية والقانونية الحاكمة لإدارة المشهد بأكمله.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.