ماذا تعني الهوية الوطنية، وما هي أدوات تمكينها في وجدان مواطني أي دولة؟ بالتأكيد إنها الاعتزاز بالمنجز الوطني والعدالة الاجتماعية، ذلك بالإضافة لتوافر ضمانات الاستقرار وطنياً. إلا أن للإمارات وجهة نظر أخرى، مع أنها تجاوزت من ناحية الإنجاز كل ما تقدم. عندما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن الخطة الخمسينية القادمة، كان أحد أهم مستهدفاتها مشاركة الإماراتي برأيه في صناعة المسارات، ولم يكن ذلك المستهدف بأمر مستحدث، بل تطويراً لآلية قيد الممارسة من قبل لجان المجلس الوطني الاتحادي، وأريد لذلك النموذج أن يتحول جزء من استشراف مستقبل الدولة. فالمنهجية الإماراتية قائمة على استدامة استحثاث التحولات. يوم 14 أكتوبر الجاري نظمت لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام في المجلس الوطني الاتحادي حلقة نقاشية (افتراضية) بعنوان: الإعلام الوطني بين الواقع والطموح.

وهنا لن أخفي رغبة شخصية في الاطلاع عن قرب لكيفية إدارة مثل هذه الجلسات المفتوحة، ونوع الآراء المتداولة. أما ما ميز الجلسة، فهو إدراك جميع المشاركين من نواب وإعلاميين ومواطنين ضرورة الالتزام الزمني بتسجيل الرأي دون إطالة أو حاجة لتدخل مدير الجلسة. الموضوعية والأريحية هما ما ميز الجلسة، وبرغم ما احتوته من نقد إلا أن الكثير من المشاركات تضمنت مقترحات حقيقية وذات قيمة، إنْ أخذت في الاعتبار ضمن استراتيجية وطنية لتطوير مفهوم الإعلام الوطني. ماذا يمكن أن يطمح له الإعلامي الإماراتي ليكون رافداً من روافد القوة الناعمة للدولة، فالإمارات حاضرة ثقافياً وعلمياً واقتصادياً وإنسانياً، وكُلنا استمعَ للإماراتيات والإمارتيين يتحدثون بأكثر من لغة وفي كل المحافل.

وأسجل هنا ملاحظتي التي لم يتسن لي تسجيلها أثناء مداخلتي في الجلسة الحوارية (نتيجة ازدحام الأفكار)، ألا وهي غياب العنصر الإماراتي ضيفاً في الإعلام السياسي رغم تعدد المنصات الإعلامية. وكذلك هو الحال عندما يتعلق الأمر بتناول واقع تجربة التسامح الإماراتي، فذلك ليس نتاج المواثيق الإبراهيمية كما يحاول البعض تصويرها، فهي جزء أصيل من ثقافة الدولة والإنسان الإماراتي.

«أنت تُغالي في وصف التجربة الإماراتية»، كان ذلك تعليق شخصية سياسية في أحد المؤتمرات، وكان ردي «في ظل حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العالم، ما هي الدولة الأكثر استقراراً ونمواً بنظرك»، فكان رده «نعم أتفق معك في ذلك».

كنت أتمنى لو حضر صاحب الرأي الجلسة الافتراضية التي نظمتها لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام في المجلس الوطني الاتحادي، ليتعرف عن قرب على التجربة الإماراتية. هذا الشكل من آليات التفاعل المباشر هو ما نفتقده ثقافياً في عالمنا العربي، وشكراً للأخ والصديق سعادة ضرار بالهول الفلاسي على اقتراح المشاركة في هذه الجلسة الافتراضية.

* كاتب بحريني