لن أجادل في صالح الفكرة كثيرة التداول والتي مفادها أن الديمقراطية هي أفضل أشكال الحكم. بل سأشير ببساطة إلى ملاحظة مفادها أن الممارسة الحالية للديمقراطية في الولايات المتحدة وإسرائيل تختبر حكمتها. في كلا المجتمعين، حُرّفت الديمقراطية وأصبحت ترقى الآن إلى القيام بكل ما في الوسع من أجل البقاء في المنصب أو إبقاء شخص آخر خارج المنصب. ما ضاع هو المبادئ والسياسات السليمة التي تخدم احتياجات الناس وتحقق العدالة والأمن. قبل أربعين عاماً، أخبرت عضواً في الكونجرس وصديقاً عن مدى انزعاجي من تصويت زملائه على الدعم المطلق لإسرائيل حتى تتابع السياسات التي لا تتحدى القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان فحسب بل تتحدى سياسة الولايات المتحدة أيضاً.

كنت أعرف أن الممارسات الإسرائيلية كانت تثير قلق بعض هؤلاء الأعضاء. وكانوا يقولون: «أنا معك حقاً، لكنك تعرف كيفية سير الأمور. أنا أترشح لإعادة انتخابي ولا يمكنني المخاطرة باتخاذ موقف بشأن هذه القضية الآن». سألت صديقي: «أين مبادئهم واكتراثهم بالمصلحة الوطنية؟!» فأجاب: «زغبي، ما لا تفهمه هو أنه منذ يوم انتخابهم، أصبح شاغل زملائي الأساسي وتعريفهم للمصلحة الوطنية مرادفاً لإعادة انتخابهم». لقد ذهبت عني سذاجتي منذ زمن بعيد. صحيح أن هناك أعضاء أصحاب مبادئ في الكونجرس يتجشمون المخاطر للقيام بما هو صائب، لكن الأغلبية الساحقة لن تفعل هذا. لقد تلوثت المياه بسبب الاستقطاب الحزبي الشديد والملايين التي تُجمع لصالح الحملات الانتخابية لمقاعد الكونجرس وجماعات «المال المظلم»، وهذا جعل سياستنا صورة كاريكاتورية شديدة البشاعة للديمقراطية.

وتمخض هذا عن كونجرس مصاب بعدم قدرة على الحركة ولا يستطيع، أو لا يريد، إقرار تشريعات لإنقاذ الأرواح من الأمراض أو الأسلحة النارية أو لحماية البيئة أو حتى لحماية حق التصويت. وبدلاً من الدفاع عن مصالح الجمهور الأميركي، ينطلق عدد كبير جداً من أعضاء الكونجرس في التصويت على أساس ما يضر خصومهم ويجمع الأموال ويسترضي جماعات الضغط القادرة على ضخ نفقات ضخمة إما لصالح أو ضد إعادة انتخابهم. واستمرار جاذبية الرئيس السابق دونالد ترامب من الأمور التي تزيد الطين بلة. فما زال ثلثا الناخبين «الجمهوريين» يصدقون إصرار ترامب على أنه فاز في انتخابات 2020. ويخوض عدد كبير جداً من الجمهوريين حملات تهدف إلى كسب دعم ترامب وقاعدته من خلال محاكاة جهوده للتقليل من شأن أي انتخابات لا يفوز هو أو هم بها.

باختصار، الديمقراطية الأميركية في خطر. في الجانب الآخر، أي في إسرائيل نجد الحكومة الائتلافية التي أطاحت ببنيامين نتنياهو جرى الاحتفاء بها باعتبارها تجلياً ديمقراطياً وحّد التيارات السياسية المتنوعة في إسرائيل. لكن المبدأ الوحيد الذي جمع هذا التحالف هو إبعاد نتنياهو عن السلطة. وفي الحكومة الائتلافية التي تمسك السلطة بأدنى أغلبية، لطالما شعر الأعضاء العرب و«اليساريون» بالحرج من التصويت «القسري» لحماية «ائتلافهم». لقد طُلب منهم الاعتراض على تشريع اقترحه حلفاء نتنياهو يطالب بدراسة اللغة العربية في المدارس الابتدائية.

وطُلب منهم تأييد مشروع قانون يميني مشترك بين أعضاء الائتلاف يمدد «قانون المواطنة» التمييزي في إسرائيل. وطلب منهم أيضاً معارضة مشروعات قوانين من منافسين عرب من خارج الائتلاف للتحقيق في فشل الشرطة في مكافحة عصابات الجريمة المنظمة العربية. أختتم المقال بما بدأته به، أي بملاحظة أنه حين تصبح الديمقراطية هو القيام بكل ما في الوسع للبقاء في المنصب أو لإبعاد شخص ما عنه، تضيع السياسات السليمة التي تخدم احتياجات الناس والعدالة والأمن.