أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ وقت مبكر أن الاستثمار في الصناعات الدفاعية والعسكرية ضرورة وطنية واستراتيجية، ليس فقط لأنها تندرج ضمن تطوير وتحديث القوات المسلحة والارتقاء بجاهزيتها كي تؤدي المهام التي توكل إليها بكل كفاءة وفاعلية، وإنما أيضاً لأنها تعزز قوتها الشاملة، بالنظر إلى أن هذه الصناعات تجسد حالة التطور التي تشهدها الدولة، وتعبّر عن قوة اقتصادها وما يملكه من قدرات نوعية تتيح لها الاستثمار في هذه النوعية من الصناعات التي تتطلب تمويلاً كبيراً ومستمراً، كما تتطلب في الوقت ذاته كوادر بشرية مؤهلة تمتلك القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، كما تتأثر هذه الصناعات بدبلوماسية الدولة الفاعلة وقدرتها على نسج شبكة متكاملة من العلاقات الخارجية تتيح لها إقامة شراكات فاعلة مع الدول صاحبة الخبرات المتقدمة في الصناعات الدفاعية.
الصناعات الدفاعية ترتبط بالأساس بالقوة العسكرية الخشنة، كونها تسهم في تعزيز قوة الردع للقوات المسلحة لأي دولة، إلا أن هناك مَن يذهب إلى أنها يمكن أن تعبّر عن قوة الدولة الناعمة، حيث يتم استخدامها للجذب والإقناع والترويج لصورة الدولة الإيجابية، وما تمتلكه من قدرات مختلفة. وهذا ينطبق بصورة كبيرة على دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تسهم صناعاتها الدفاعية والعسكرية في تعزيز قوتها الناعمة، فالمعارض الدفاعية والأمنية التي تستضيفها وتحظى بمشاركة واسعة، سواء من حيث الدول أو الشركات أو المعروضات، كمعرض آيدكس، ومعرض دبي للطيران، ومعرض الدفاع البحري «نافدكس»، ومعرضا يومكس وسيمتكس، ومؤتمر أبوظبي العالمي للأوفست وغيرها الكثير، إنما تعبر في جانب كبير منها عن قوة الإمارات الناعمة، وما تملكه من قدرات بشرية وفنية تمكنها من تنظيم وصناعة هذه النوعية من المعارض المتخصصة بكل كفاءة وإتقان، كما تعكس الثقة الكبيرة التي تمنحها الدول والشركات العالمية لدولة الإمارات باختيارها وجهةً مفضلةً لعرض آخر ما توصلت إليه في تقنياتها العسكرية والأمنية، وبذلك تكون الإمارات من بين أفضل الدول الحاضنة للإبداع والساعية إلى تقديم أفضل المكاسب العلمية لخدمة شعوب العالم.
لقد أصبحت هذه المعارض، ومنها معرض دبي للطيران 2021، والذي سيقام في الفترة ما بين 14 و18 نوفمبر القادم في مطار آل مكتوم بدبي، واجهة مشرّفة لدولة الإمارات ومرآة عاكسة للتطور والتقدم التنموي الحاصل فيها، كما تشكل هذه المعارض في الوقت ذاته منصة مثالية لتأسيس علاقات تعاون مستدامة مع الشركاء الدوليين، والتي لا تقتصر فقط على مجالات الصناعات الدفاعية والتكنولوجية وعلوم الفضاء، وإنما تشمل أيضاً الترويج للمعالم السياحية والثقافية التي تتمتع بها الدولة.
ويتمثل الجانب الإيجابي الآخر للمعارض الدفاعية والأمنية المتخصصة في أنها تسهم في تعزيز صورة دولة الإمارات، باعتبارها قوة إقليمية فاعلة في تثبيت أسس الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ إن القضايا المختلفة التي يتم طرحها في النقاش على هامش هذه المعارض، ومنها المؤتمر الذي سيقام بتاريخ 13 نوفمبر القادم على هامش معرض دبي للطيران 2021 بعنوان «الدور المتنامي للجو والفضاء السيبراني في العمليات متعددة المجالات» تمثل فرصةً لإبراز مواقف دولة الإمارات الهادئة والمتوازنة من قضايا المنطقة والعالم، الأمر الذي يعزز الثقة بتوجهاتها السياسية ودبلوماسيتها الفاعلة، ومن ثم يتيح لها فرصاً كبيرة للتأثير والنفوذ إقليمياً ودولياً، ولهذا كان من الطبيعي أن تنجح دولة الإمارات خلال عقود قليلة في أن تكون في مقدمة الدول الأكثر استقطاباً لمنتجي ومطوري الصناعات الدفاعية والتكنولوجية وعلوم الفضاء، بفضل خططها التنموية وانفتاحها على كل المؤسسات التي تكرس جهدها للإبداع الصناعي العسكري.
إن صناعاتنا الدفاعية والعسكرية والأمنية تؤدي دوراً محورياً في تعزيز القوة الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة، السياسية والعسكرية والاقتصادية والبشرية والتكنولوجية والفضائية، لأنها تتداخل مع العديد من القطاعات، كقطاع الصناعات المدنية، وخاصة الاستراتيجية منها، وتتيح مدخلات جديدة للاقتصاد الوطني تسهم في إنجاح سياسة تنويع مصادر الدخل، كما إنها تسهم أيضاً في نقل التكنولوجيا المتطورة وتوطينها في الداخل من خلال الشراكات مع كبرى الشركات العالمية في هذا المجال، وهي تعزز أيضاً مكانة دولة الإمارات الإقليمية والدولية، بعدما بات امتلاك الصناعات الدفاعية والعسكرية يشكل أحد أهم معايير قياس المكانة والنفوذ على الساحة الدولية.