تبلغ السيرة الذاتية الشيقة الجديدة التي كتبتها «كاتي مارتون» عن أنجيلا ميركل وهي بعنوان «المستشارة» ذروتها في عام 2015، حين رفضت الزعيمة الألمانية إغلاق حدود بلادها أمام مد لاجئين فارين من حروب أهلية وانهيار دول في الشرق الأوسط وأفريقيا. ودعت ميركل حينها أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين إلى قبول المزيد من اللاجئين قائلة «إذا فشلت أوروبا في مسألة اللاجئين فلن تكون أوروبا التي ابتغيها. لا أريد الدخول في سباق في أوروبا لمن يعامل هؤلاء أسوأ».

لقد كانت قفزة سياسية كبيرة للمستشارة الحذرة الصارمة أن تأتي بتصرف مفاجئ يمثل بطولة أخلاقية ستترك بصمتها على إرثها. وبنهاية العام، دخل ألمانيا مليون لاجئ. وتوقع كثيرون من المراقبين كارثة. فقد ذكرت مارتون أن هنري كيسينجر أخبر ميركل أن «إيواء لاجئ واحد هو عمل إنساني لكن السماح لمليون غريب بالدخول هو تعريض حضارة ألمانيا للخطر». ونقلت مارتون عن مقال لزميلي «روس دوثات» جاء فيه أن «الأحمق» هو من يعتقد أن ألمانيا يمكنها «سلميا استيعاب هجرة بهذا الحجم وبهذا المدى من الاختلاف الثقافي».

وذكرت مارتون أن وزير الخزانة الأميركي السابق هانك بولسون عبر عن خشيته من أن يصبح اللاجئين «الهلاك السياسي» لميركل. ولفترة من الوقت، كان لبعض من هذا التشاؤوم ما يسوغه فيما يبدو. فقد استقى مقال «دوثات» إلهامه من انفجار شديد للعنف في ولاية كولونيا في ليلة رأس السنة حين تحرش رجال غالبهم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعدد من النساء. وأذكى تدفق اللاجئين صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتشدد. وفي عام 2017 حصد «البديل من أجل ألمانيا» 94 مقعداً ليصبح أكبر حزب معارض في بوندستاج. وألقى البعض باللائمة على سياسة ميركل في تخويف البريطانيين ودفعهم إلى دعم بريكسيت. واستغل دونالد ترامب الفرصة لصالح دعايته حين كان مرشحاً رئاسياً.

واحتفظت ميركل بمنصب المستشار بعد انتخابات 2017 لكن حزبها «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» خسر 65 مقعداً. لكن الكوارث التي توقعها منتقدو ميركل لم تقع بعد مرور ست سنوات. ففي الانتخابات الألمانية في سبتمبر العام الجاري، لم يكن لقضية اللاجئين وزن تقريبا وفقد حزب البديل الدعم. وذكرت كونستنازه شتلتسنمولر، الخبيرة في شؤون ألمانيا والعلاقات عبر الأطلسي في معهد بروكينجز، أنه «ساد شعور بأن هذه الهجرة لم يتمخض عنها إلا القليل نسبياً من التطرف الإسلامي أو جرائم المتطرفين. وإجمالاً، نجح اندماج العدد الأكبر من هؤلاء المهاجرين في قوة العمل الألمانية وفي المجتمع الألماني عموماً». وترى «مارتون» أنه مع مرور الزمن، اتضح أن ميركل «اختارت المسار الصحيح تماماً ليس فقط لألمانيا بل للعالم».

وكانت سياسة اللاجئين في المقام الأول هي التي ألهمت «مارتون»، رئيس مكتب «أيه. بي. سي. نيوز» السابقة في برلين، لتكتب عن ميركل. ومارتون هي ابنة مهاجريْن من المجر كانا صحفيين اعتقلهما النظام الشيوعي ذات يوم. وهي أيضاً حفيدة ضحايا محرقة «أوشفيتز» وأرملة الدبلوماسي المشهور، الذي تعرفت عليه حين كان سفيراً لإدارة بيل كلينتون في ألمانيا. وكان تاريخ ألمانيا القومي الفريد من بين الأسباب التي جعلت الألمان يقبلون، بل ويحتفلون، بقرار ميركل. لقد جعلت ألمانيا من محاسبة نفسها على الهولوكوست محوراً لهويتها. وانتهز كثير من المواطنين هذه الفرصة للتوبة.

وحول متطوعون مدارس ومتاجر إلى أماكن إيواء. وذكرت «شتلتسنمولر» أن الألمان كانوا سعداء و«متشوقين في الحقيقة لأن يروا أنفسهم يقومون بدور المنقذين الإنسانيين». لكن اللاجئين قدموا لألمانيا أكثر من مجرد تحسين صورة الألمان. ففي بلاد بها شيخوخة سكانية ومعدل مواليد منخفض، قدم اللاجئون إضافة نافعة لقوة العمل. وأضافت «شتلتسنمولر» إن الاقتصاد كان يطلب «قوة عاملة قبل الجائحة وكان هناك طلب حقيقي واستعداد مفترض من سوق العمل والشركات لمساعدة الناس.

وبالطبع لدينا خبرة طويلة وممارسة منذ عقود للتدريب في العمل يعتبر نموذجاً يحتذى للدول الأوروبية الأخرى، ولأميركا في الواقع». لكن تعامل ألمانيا مع اللاجئين لم يسلم من بعض النقد من التقدميين. فقد كانت ميركل تقود على أي حال حزباً من «يمين الوسط»، وحكومتها اتبعت نهجاً محافظاً في احتواء اللاجئين. ونقلت مارتون عن ميركل قولها في اجتماع حزبها عام 2015 إن على «اللاجئين تحمل مسؤولية إتباع الطريقة الألمانية».

وتعين على الوافدين الجدد تعلم الألمانية والانتشار على امتداد البلاد لتجنب ظهور مستعمرات منعزلة ثقافياً. وأشارت «مارتون» إلى أن ميركل أصرت على تجنب ظهور تكتلات سكانية شديدة الكثافة من المهاجرين كتلك التي تحيط بمدن في فرنسا وبريطانيا. وفي نهاية المطاف، لم تترك ميركل الحدود مفتوحة، وتوصلت لصفقة مثيرة للجدل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستقبال طالبي اللجوء ومنعهم من مواصلة الرحلة إلى أوروبا. ولم تبق ميركل في السلطة لمدة 16 عاماً بسبب ترك مشاعرها تتفوق على شعورها بواقعية السياسة. لكن باستقبال مليون شخص يائس في وقت أقام فيه آخرون أسلاكاً شائكة، أنجزت ألمانيا شيئاً عظيما يستطيع باقي العالم التعلم منه في ظل إرغام حروب وكوارث بيئية ملايين الأشخاص على الخروج من ديارهم بحثاً عن ملاذ.

* صحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/10/22/opinion/angela-merkel-refugees-germany.html