في ظروف مختلفة عما عُقدت في ظلها المؤتمرات الخمسة والعشرون السابقة، بدأ الأحد الماضي في جلاسكو مؤتمرُ الأمم المتحدة «كوب-26» تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994. وعلى مدى هذه الأعوام السبعة والعشرين تفاقمت أزمة المناخ في العالم حتى وصلت إلى مستوى الخطر الداهم. حدث هذا التفاقم تدريجياً، ولكنه تسارع بمعدلات كبيرة في السنوات الأخيرة، إلى حد أن الكوارث تزداد في كل عام مقارنة بسابقه. ولهذا يبدو خطر تغير المناخ اليوم أشد مما كان عليه عندما عُقد المؤتمر السابق قبل عامين فقط بمدريد.
ومن هنا الأهمية الخاصة لهذا المؤتمر، الذي يرى بعض المختصين بمسألة المناخ أنه ربما يكون فرصةً أخيرةً للاستجابة لنداءات متزايدة من أجل الالتزام باستراتيجية شاملة لتقليل الغازات الدفيئة المسؤولة عن ازدياد حرارة الأرض.
وكان التقرير العلمي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ الصادر في 9 أغسطس الماضي، هو الأخير في سلسلة وثائق تفيد خلاصاتُها بأن الخطر على الكوكب يزداد. كما أنه الأكثر وضوحاً في التحذير من أن الوقت ينفد بسرعة: «نقترب بشكل حثيث من النقطة التي يعني بلوغها فوات الأوان». والمقصود أن احترار الأرض يقترب من المعدل الخطر الذي اتُفق في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 على العمل لمنع الوصول إليه، وهذا هو جوهر رسالة التقرير الأقوى مِن كل ما سبقه، والذي يكتسب أهميةً إضافيةً من حجم المشاركة في إعداده ونوعها (234 عالماً في مختلف التخصصات المتعلقة بالموضوع، ومن أنحاء العالم كله).
ولهذا لم يبالغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عندما قال، تعقيباً عليه، إن الكوكب يختنق تحت وطأة ممارسات تؤدي إلى تسخينه بمعدلات لا يستطيع تحمّلها. وقد بدأت المؤشرات الدالة على ذلك في ازدياد موجات ارتفاع الحرارة والرطوبة في مناطق اتسمت تاريخياً بالبرودة الشديدة، وازدياد ملحوظ في موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير، في الوقت الذي يتسارع ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي خلال مواسم الصيف، ويؤدي إلى ارتفاع تدريجي في مستوى سطح البحار على نحو يمكن أن يُهدد بعض الدول بالانقراض، خاصةً الدول الجزرية في المحيط الهادئ، فضلاً عن مدن ساحلية في دول عدة أخرى. وكأن الطبيعة تعبر عن غضبها وقد بلغ أشده، والكوكب يصرخ مستنجداً.
وبرغم هذا كله، ليس واضحاً بعد مدى جدية الدول الكبرى المسؤولة عن معظم انبعاثات الغازات الدفيئة في مواجهة هذه الأخطار. ما زالت المصالح الضيقة عائقاً أمام تفاهم جاد بين هذه الدول، لأن الالتزام بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة يؤثر في أنشطة ومشاريع تُحقق عائدات كبيرة، الأمر الذي قد يترتب عليه إبطاء معدلات النمو الاقتصادي لبعض الوقت. وهذا فضلاً عن ضرورة تقديم الدول الكبرى مساعدات للبلدان النامية التي تعتمد على الفحم واستبدال مصادر أخرى للوقود به.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائماً في ازدياد الشعور بالمسؤولية الدولية، خاصةً أن المؤتمر الحالي يُعقد فيما لم تُعالج بعد آثارٌ خطيرةٌ للكوارث المناخية التي حدثت في الأشهر الماضية. ولكي يوجه «كوب-26» رسالةً إيجابيةً تُطمئن الناس في العالم، يتعين أن تُقدم الدول السبع الكبرى خطةً تفصيليةً لتنفيذ تعهدها الذي ألزمت نفسها به في قمتها الأخيرة في أبريل الماضي، بوقف تمويل مشاريع الفحم الدولية، وتخصيص مائة مليار دولار لمساعدة الدول النامية للاعتماد على مصادر طاقة أقل ضرراً. فربما تحفِّز هذه الخطة دولاً كبرى أخرى على الالتزام بإجراءات تساهم في الحد من احترار الأرض، لإنقاذ الكوكب وسكانه قبل فوات الأوان.


مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية