تتزايد الضغوط على دول «أوبك+»، وبالأخص من قبل الولايات المتحدة لزيادة الإنتاج ووقف الارتفاعات المستمرة لأسعار النفط والتي لامست 86 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي، إلا أن هذه الدول تقاوم حتى الآن هذه الضغوط كافة، والتي ازدادت بانضمام اليابان والهند إليها مؤخراً في قمة مجموعة العشرين، علماً بأن «أوبك+» قررت بداية شهر أكتوبر الماضي رفع إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل فقط يومياً، وهو ما يتماشى وقراراتها السابقة الخاصة بالزيادة الشهرية حتى نهاية الربع الأول من العام القادم 2022، إذ أكد وزير الطاقة الروسي قائلاً «إن روسيا تتوقع أن يرفع تحالف (أوبك+) إنتاجه من النفط بمقدار 400 ألف برميل يومياً في اجتماع الرابع من نوفمبر»، متوقِّعاً أن يصل الطلب على النفط إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية العام القادم.
إن قرار «أوبك+» بالالتزام ببرنامجها لزيادة الإنتاج الشهري صائب تماماً ويعبّر عن المصالح الوطنية لهذه البلدان للحصول على سعر عادل لمبيعاتها من النفط، حيث يبرز هنا سؤالان يمكن من خلال الإجابة عليهما معرفة لماذا تصر دول «أوبك+» على موقفها بالاكتفاء بهذه الزيادة. والسؤال الأول يتعلق بتحديد المتسبب بخلل العلاقة بين العرض والطلب المؤدي إلى ارتفاع الأسعار، حيث تشير الدلائل إلى مسؤولية البلدان الغربية والولايات المتحدة تحديداً، وذلك بعد أن قلّصت كثيراً من استثماراتها في صناعة النفط خلال السنوات القليلة الماضية بحجة المحافظة على المناخ، في الوقت الذي لم تقم فيه بتحضير بدائل من الطاقة النظيفة، رغم تحذيرات منظمة «الأوبك» من محدودية طاقتها الإنتاجية الفائضة، إلا أن الإعلام الشعبوي الخاص بقضية المناخ طغى على صوت العقل والموضوعية، علماً بأن التلوث والتغير المناخي قضية مهمة، وهي محل اهتمام الجميع، إلا أن معالجتَها تحتاج إلى وقت وتنسيق، وليس إلى قرارات عشوائية وفوقية، كوقف الاستثمارات في الصناعة النفطية أو تقليصها إلى الحد الأدنى.
السؤال الثاني يختص بالفترات التي تدهورت فيها أسعار النفط بعد أن وصل إنتاج النفط الصخري الأميركي إلى ذروته وساهم في زيادة المعروض وانخفاض الأسعار، عندها لم تطلب دول «أوبك+» من الولايات المتحدة تخفيض الإنتاج للمحافظة على أسعار عادلة. وحتى لو افترضنا أن مثل هذا الطلب قُدم لواشنطن، فمن المستبعد أن يجد آذاناً صاغية في أروقة البيت الأبيض. إذن لماذا على الدول المنتجة أن تصغى إلى الطرف الآخر والذي عليه أن يستوعب أن مرحلة الضغوط لتي سادت في العقود الخمسة الماضية قد ولّت وتجاوزها الزمن، فالكل يسعى الآن للدفاع عن مصالحه في ظل موازين قوى عالمية تتغير بصورة سريعة، وهذا ما ينبغي استيعابه من قبل الجميع.
لذلك، فإن أسعار النفط ستستمر عند هذا المعدل المرتفع نسبياً للشهور القادمة، بل يرجّح أن تصل إلى 90 دولاراً للبرميل في ظل ارتفاع الطلب الناجم عن التعافي من تداعيات فيروس «كوفيد - 19» ومحدودية زيادة الإنتاج التي تتحكم فيها دول «أوبك+» والتي يبدو أنها مصممة على مقاومة ضغوط زيادة الإنتاج، وذلك على الرغم من أن «بنك أوف أميركا» توقع مؤخراً أن يصل سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً نهاية يونيو 2022.
والحقيقة أنه لا توجد حلول فورية لتوازن العرض والطلب من خلال زيادة الإنتاج بنسب كبيرة، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي جو بايدن عندما قال: «لا توجد مؤشرات على انخفاض قريب في الأسعار وأتوقع انخفاضها في عام 2022»، مضيفاً أن أي انخفاض في الأسعار يتوقف على عوامل، منها الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية». أما الحلول متوسطة المدى، فتتعلق بضرورة زيادة الاستثمار في القطاع النفطي لرفع الطاقات الإنتاجية، حيث تتوفر هذه القدرات عند عددٍ قليل من البلدان المنتجة من جهة وعند شركات النفط العالمية الكبيرة من جهة أخرى، إلا أن هذه الشركات تعاني كثيراً الحملات الشعبوية التي تتهمها بأزمة المناخ، وهو ما يجعلها تتردد أو تمتنع عند زيادة استثماراتها في القطاع النفطي، مما يعني أن هناك تناقضاً صارخاً تمارسه الدول الصناعية المستهلِكة، وهو ما يؤدي إلى المزيد من التعقيدات بهذا الخصوص.


خبير ومستشار اقتصادي