حينما صنعت القبائل التي كانت تجوب أراضي الإمارات بعض الأسلحة البدائية البسيطة من حجر الصوان، كرؤوس الرماح والسهام وغيرها. ولعل أبرز ما كان يميز صناعات العصر الحجري الحديث التي شهدتها أرض الإمارات، هو ظهور السهام المصنوعة من حجر الصوان، والتي استعملت لأغراض الصيد والدفاع عن النفس في آن واحد.

ومع بداية العصر الحديدي تطورت الصناعات الدفاعية مع ظهور الحديد في بعض مناطق الدولة قديماً بكثرة، لا سيما في إمارة الشارقة؛ إذ وجد في منطقة «مليحة» مكان مخصص لصهر وتصنيع المنتجات الحديدية، مما أدى إلى حدوث طفرة في صناعة الأسلحة الحديدية في بعض مناطق دولة الإمارات، وخاصة صناعة الخناجر والسيوف ورؤوس السهام.

لقد شهدت دولة الإمارات عبر تاريخها أشكالاً مختلفةً من الصناعات الدفاعية البسيطة، التي كانت تواكب متطلبات هذه العصور، لكن البدايات الحقيقة لنشأة هذه الصناعات بشكلها الحديث ظهرت مع نشأة دولة الاتحاد في بداية سبعينيات القرن الماضي على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أدرك أهميةَ العمل على بناء قوة مسلحة عصرية تحمي دولة الاتحاد الوليدة وتحافظ على مكتسباتها.

تستند الصناعات الدفاعية في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الركائز الصلبة التي أرسى دعائمها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما أسس لبناء مؤسسة عسكرية وطنية تضطلع بكل الأدوار المنوطة بها في الدفاع عن الوطن، حيث كان يدرك، رحمه الله، أن بناء قوات مسلَّحة قوية يشكّل أول خطوة عملية وفعالة في مسيرة دولة الإمارات، لأنها تؤدي دوراً مزدوجاً، فمن ناحية كانت لها مهمة تقليدية واضحة هي الدفاع عن الدولة في وجه أي اعتداء خارجي، ومن ناحية أخرى كانت القوات المسلحة رمزاً للتطور في مسيرة الاتحاد. فقد كان الشيخ زايد حريصاً خلال زياراته الخارجية على زيارة المصانع العسكرية في الخارج، ليس فقط للاطلاع عن قرب على منظومات التسليح العالمية، بما تملكه من تطور تقني عسكري للحصول على أحدث أنظمة التسليح وفق تخطيط علمي مدروس، وإنما لإدراكه أهمية الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في بناء قاعدة من الصناعات الدفاعية الوطنية أيضاً. ولهذا عمل الشيخ زايد على الاستثمار في العنصر البشري للمواطن، باعتباره ركيزةَ الصناعات الدفاعية، سواء من خلال تأهيل المنتسبين في القوات المسلحة والعمل على امتلاكهم مختلف المهارات اللازمة، أو من خلال ابتعاث عدد كبير من أبناء الدولة للدراسة في الأكاديميات العالمية والجامعات العسكرية المتميزة في دول العالم أجمع، أو من خلال توفير فرص التدريب للمواطنين في كبريات الشركات العالمية العاملة في مجال الصناعات الدفاعية. لقد كان الشيخ زايد يمتلك رؤيةً استشرافيةً ثاقبةً حول أهمية بناء قاعدة من الصناعات الدفاعية الوطنية المتطورة، باعتبارها ضرورةً لتعزيز قوة الردع للقوات المسلحة لدولة الإمارات من ناحية، وركيزة لتحديث القوات المسلحة من ناحية ثانية. ولهذا يحسب له، رحمه الله تعالى، أن وضع الأسس القوية للصناعات الدفاعية الوطنية، التي باتت اليوم قادرة على مواكبة أحدث التقنيات المستخدمة في العالم، ومنافسة نظيراتها عالمياً واقتحام المزيد من الأسواق الجديدة المعنية بالصناعات الدفاعية.

لقد كان بناء قاعدة متطورة من الصناعات الدفاعية أحد أهم محاور تطوير وتحديث قواتنا المسلحة في فكر الشيخ زايد، وبما يعزز قدرة الردع لدولة الإمارات في مواجهة أي أطماع أو مهددات خارجية، ومن هنا كان حريصاً على تحديث القوات المسلحة وتطويرها وتزويدها بكل أنواع الأسلحة المتقدمة.

*إعلامي وكاتب إماراتي