تمثل مبادرة الإمارات العربية المتحدة، «بيت العائلة الإبراهيمية»، والمقرر إتمامها عام 2022، تجسيداً حقيقياً لقيم التسامح والعيش المشترك ونشر الوئام والاحترام وقبول الآخر، وترجمة على أرض الواقع لوثيقة «الأخوَّة الإنسانية». فمشروع «بيت العائلة الإبراهيمية» يعد أحد معالم أبوظبي، ليس كصرح عمراني فحسب، بل يمثل كذلك انعكاساً لروح التسامح التي تنتهجها دولة الإمارات، إذ يجمع بين أربعة مبان منفصلة للديانات السماوية الرئيسية، كنيسة، ومسجد، وكنيس، ومركز ثقافي. فالتسامح من القيم الراسخة في المجتمع الإماراتي، حيث تُعد دولة الإمارات حاضِنة لقيم التسامح والسلم والتعددية العرقية والثقافية، وهي تضم أكثر من 200 جنسية ينعم أصحابها بالحياة الكريمة التي تكفلها قوانين الدولة لنشر العدل والاحترام والمساواة وتجريم الكراهية والعنصرية والعصبية والطائفية.
والواقع أن منهج دولة الإمارات في احتضان مبادرات التسامح والتقريب بين الأديان يشكل الأنموذج الأمثل لتطبيقه بشكل أوسع في المنطقة العربية، بغية بناء خطاب يتجاوز المفهوم التقليدي للأديان، ويعمل على «أنسنة» الدين وردم الفجوات الفكرية الداعية إلى التطرف والإرهاب والكراهية ونبذ الآخر. وهذه القيم السامية لن تتأتى دون التأسيس لخطابات متنوعة تقوم على مبدأ «المواطَنة الشاملة» واحترام الآخر، وحق الفرد في الاختيار الحر في تكييف ممارسة وتطبيق معتقده، أياً كان هذا المعتقد، دون وجل ولا خوف. ولا ضمانة أكيدة لحراسة هذه القيم الدينية ما لم تكن ثمة تشريعات واضحة وصريحة تحترم حقوق الإنسان، وتُجرّم الدعوات التي تنافي تلك الحقوق من تضييق وتحريض وخلافه.
في عام 2012، تم تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الأديان والثقافات («كايسيد») كمنظمة دولية ومبادرة تم الاتفاق عليها من قبل المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا ومملكة إسبانيا، إلى جانب الفاتيكان. وتم تشييد المركز في مدينة فيننا، عاصمة النمسا، لأهداف سامية تسعى إلى دفع مسيرة الحوار والتفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المتعددة، وإلى العمل على تعزيز ثقافة احترام التنوع وإرساء قواعد العدل والسلام بين الأمم والشعوب وتحقيق الخير للبشرية، فضلاً عن بناء الجسور بين القيادات الدينية والسياسية، سدّاً للفجوة بين القيادات الدينية وصانعي السياسات خاصة في المنظمات الدولية، وإلى إيجاد حلول ناجعة ومستدامة وتحقيق نتائج إيجابية لصالح الشعوب. ويتألف مجلس إدارة مركز الملك عبدالله لحوار الأديان من قيادات دينية (من المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس)، ويعد أول منظمة دولية تعمل على تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لمساعدة صانعي السياسات في بناء السلام والتعايش السلمي تحت مظلة المواطَنة المشتركة.
الجهود الرائدة التي تنتهجها كل من المملكة العرية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التقريب بين الأديان ونشر قيم التسامح والتعايش، هي في الواقع ليست أطروحات تدعي المثالية أو تروج لها، بل خيارات ممكنة، إن لم تكن ضرورات تفرضها المرحلة ويحتمها المستقبل. وهي خيارات قابلة للتطبيق بوجود شخصيات قيادية ذات بصيرة ثاقبة مثل الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد وأجيال شجاعة ذات وعي كافٍ لتنفيذ هذه الخيارات بكل قناعة ونباهة، وهذا وحدَه الضاِمن لمستقبل زاهر أقل حروباً وأكثر تعايشاً بين البشر.
التعصب الديني ومنع الآخر من ممارسة شعائره الدينية بحجة أنها بدعة أو كفر أو شرك، يؤدي بالضرورة إلى فقدان السِلم، وبالتالي إلى غياب الشعور بالأمان ونشوء حالة من الشك والريبة والتعصب وسط المجتمعات. وحينها يتحول التعدد إلى صدامٍ وتناحر وصراعات لا تنتهي. ولتلك الأسباب تحديداً بادرت الدولتان، السعودية والإمارات، إلى تهيئة البيئة الخصبة للتعايش باجتثاث كل مسببات التناحر والتطرف والتعصب الديني وردم بؤر الشقاق وتحجيم التشدد ومعالجة مسبباته، ونزع كل منبر لدعاة التطرف وإيقاف أنشطتهم ورموزهم وسد كل ثغرة قد تؤدي إلى الفرقة والاحتراب العقائدي.. وكل ذلك إيماناً من قيادتي الدولتين بأن أهم مرتكز أساسي لأي مجتمع إنساني متجانس هو «حرية التدين» دون قيود.


كاتبة سعودية