لم يكن متوقعاً وصول العالم إلى جملة من الاتفاقيات الحقيقية ليست في ملف المناخ المتناقض، ولكن في القضايا المرتبطة به، وهو ما سيشغل العالم في الفترة المقبلة برغم ما بذلته بعض الدول من مجهودات في هذا المجال. حالة التباين في الرؤى تتواصل في مرحلة ما بعد مؤتمر انتهاء المناخ، وذلك في ظل المطالبة ببذل المزيد من الجهود، وبوتيرة أكبر للحد من ظاهرة الاحترار المناخي على أساس أن كل جزء إضافي من ارتفاع درجة حرارة الكوكب لحوالي 1.1 مئوية سيجلب نصيبه من الكوارث الجديدة.

فحتى مع الالتزامات الجديدة للدول للعام 2030، تتجه درجة حرارة الكوكب نحو ارتفاع كإرثي يبلغ 2.7 مئوية، وأنه بالمعدل الحالي، فإن النتائج المنتظرة في العام 2030 لن تتحقق قبل العام.

ومن المهم أن تقدّم كل دول مجموعة العشرين مساهمات متوافقة مع حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية. فعلى سبيل المثال، روسيا لم تطرح استراتيجية بيئية جديدة - كما كان متوقعا - برغم ما أعلنته من العمل على خفض انبعاث بنحو 80% بحلول العام 2050 لا سيما عبر التخلي تدريجياً عن الفحم كمصدر للكهرباء واستبداله أكثر بالطاقة النووية بين مصادر أخرى.

وبرغم إعطاء الرئيس جو بايدن السياسات الصديقة للمناخ أولوية قصوى في خطته لتعافي الاقتصاد الأميركي من الأضرار الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، إلا أن إنجازاً حقيقياً لم يتم، وبقي الطرح الأميركي في إطاره، وهو ما انعكس على المقاربة الأميركية لقضايا المناخ قبل وبعد عقد المؤتمر، لأنه ببساطة على الولايات المتحدة الاختيار بين التفاوت والتباين في درجة رفاه العيش مقارنة بالعالم، وبين استمرار الحياة على هذا الكوكب.

والخلاصة أنه لن ينجو أحد من تبعات التغير المناخي، فالعالم قد يتغير كلياً، والكوارث لن تفرق بين شمال العالم وجنوبه، وهو ما يستوجب وقوف البشرية صفا واحدا في مواجهة هذا الخطر الكبير، والعمل على وضع هدف خفض الانبعاث إلى «صافي صفري» بحلول منتصف القرن، حيث لا تزال القوي المجمعة للانبعاث المخطط لها بحلول عام 2030 أقل بكثير من مستوى الطموح المطلوب لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، وفي ظل مساهمة 10 دول فقط بالعالم في انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة تتجاوز ثلثي الانبعاث العالمية.

في هذا السياق من الضروري تدفق الاستثمارات بشكل مستدام، حيث إن الدول ستواجه خيارات اقتصادية صعبة، بينما سيجب اعتماد الدول على التقدم التكنولوجي لتقليل الانبعاثات الحرارية.

ومن هنا أصبحت نتائج قمة المناخ بعد النظر في الأهداف المطلوبة تحقيقها من أجل صفر انبعاث مهمة بشكل كبير، لأنها قد تشكل تغيراً كبيراً في شكل العالم في العقدين الجاري والمقبل، كما أن الميزانيات المالية والمساعدات التي رصدتها القمة للدول الفقيرة قد تساعد كثيرا في تحقيق الهدف الذي يبحث عنه العالم، وإن كانت الخلافات ستظل قائمة حول مدى تنفيذ التعهدات التي التزمت بها الدول، وهى تعد ضرورية للسير قدما بالتغيير المناخي على أسس واضحة، والمثال على ذلك هو ما يتعلق بتسعير ثاني أكسيد الكربون الذي سيتم تخزينه، ومن ثم استخدامه، كذلك فإن هناك مسألة الطاقات المستدامة النظيفة (من دون الانبعاث).

ويكمن التحدي في وجود حركات ناشطة في الدول الصناعية تحاول الحد من استعمال الطاقات النظيفة المتمثلة بالرياح والطاقة الشمسية، دون الوضع في الحسبان ما هو لازم ضروري لتوفير طاقات نظيفة وافية لدول العالم إضافة لاحتياطات الثروات الطبيعية الضخمة والمصانع والمنشآت، والبنى التحتية المتوافرة عند كثير من الدول النفطية والغازية التي يمكن أن تنتج الطاقة النظيفة.

* أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والشؤون الاستراتيجية