الطائرات المسيرة ماركة مسجلة باسم بعض «المليشيات» في المنطقة، ومثلها «الصواريخ الباليستية»، وبالتالي ليس صعباً اكتشاف الجهة التي تقف خلف محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي «مصطفى الكاظمي»، وليس صعباً اكتشاف من يقف خلف «خلية» الكويت الإرهابية، فالهدف واحدٌ والغاية واحدةٌ وإن اختلفت الأدوات.
الصراعات في المنطقة قديمة وحاضرة ومستمرة، ونماذجها متعددة، في العراق ولبنان كما في سوريا واليمن، وفي دول الخليج خلايا الإرهاب لا تتوقف لأن داعمها الإقليمي يعتبرها ورقة تفاوضٍ لا يريد التفريط فيها في أي محادثاتٍ مقبلة في «فيينا» أو في غيرها.
مصطفى الكاظمي شكّل للشعب العراقي بارقة أملٍ في إمكانية أن يعود العراق ليصبح دولةً مستقلةً ذات سيادةٍ تفرض هيبتها على كامل أراضيها، وترفض «الاحتلال» و«الاستعمار»، أياً كانت الدولة التي تقف خلفه، غربيةً كانت أم شرقيةً، قريبةً أم بعيدةً، والشعب العراقي قال كلمته في الانتخابات الأخيرة.
مشكلة «الميليشيات» أنها لا تعترف بالوطن ولا تؤمن بالوطنية، وبنت لدى أتباعها «أيديولوجيا» متطرفة، وخطفت عقولهم ثم أحاطت ذلك كله بشبكة مصالح معقدةٍ تشمل العنصر الذي تم تجنيده وعائلته وأصدقاءه ومصالحه، بحيث يصبح التلاعب به سهلاً وتوجيهه ضد شعبه وأهله ودولته مسألة روتينية فقط.
ليس صدفةً أن تبدأ خلايا «داعش» بالتحرك مع خسارة «الميليشيات» للانتخابات، وأن تتزامن مع توجه الحكومة العراقية الواضح نحو استقلال الدولة العراقية ورفض «العمالة» للخارج تحت أي مبررٍ دينيٍ أو طائفيٍ أو مذهبيٍ، فيجب خلق «وحشٍ» لتمرير كل العنف والإرهاب المطلوب من خلاله ويجب على الشعب العراقي أن يظلّ «خائفاً يترقب» وأن يبقى تحت وصاية المحتلّ وميليشياته وإرهابه.
كما جرى في لبنان واليمن يجري في العراق، فالاغتيالات والتصفيات الجسدية سنةٌ متبعةٌ واستراتيجيةٌ ناجحةٌ في إنهاء أي شكلٍ من أشكال الرفض أو الاعتراض على اختطاف الدولة وتسلميها للمحتل والمستعمر الجديد، وفي هذا السياق تأتي محاولة اغتيال رئيس الوزراء، لأنه وطنيٌ مخلصٌ وصادقٌ مع شعبه، والوطنية لدى «العملاء» خيانةٌ.
الاغتيالات استخدمت كثيراً في العراق، ولكنّ الأكثر خبرةً فيها هو «حزب الله» الإرهابي في لبنان، فسلسلة اغتيالاته في لبنان لم تبتدئ بـ «رفيق الحريري» ولن تنتهي بـ «لقمان سليم» مروراً بعشرات الأسماء، وقد أعجبت اللعبة الدول الغربية فأصبحت تفرّق دون سببٍ ودون مبررٍ بين «جناح سياسيٍ» و«جناحٍ عسكري» للحزب لتجنب اتخاذ مواقف حازمة ضده، مع أن الحزب نفسه ليس معنياً بهذا التفريق المتكلّف.
أعلنت الكويت عن القبض على «خلية» تابعةٍ لحزب الله الإرهابي اللبناني، تقوم بـ «التجنيد» و«التمويل» و«تبييض الأموال» و«تهريب المخدرات» وعناصرها: ابن نائب سابق، وشقيق نائب سابق، ومشارك في عملية «خطف الجابرية» وآخر من كبار المهتمين بـ «العمل الخيري» وهي خلية نموذجيةٌ لأي تنظيم إرهابيٍ.
معاناة الكويت طويلة مع خلايا الإرهاب من هذا النوع، فمن «اختطاف الجابرية» إلى محاولة اغتيال الأمير الراحل جابر الأحمد، وصولاً إلى «خلية العبدلي» التي كانت الأسلحة المقبوض عليها معها تكفي لإسقاط أنظمةٍ وليس لعملٍ إرهابيٍ فحسب.
في أجواء من البحث عن «مستقبل جديد» أو «مصالحة وطنيةٍ» لا تهتم هذه «الميليشيات» و«الخلايا» الإرهابية بأمن بلدانها سواء في العراق أو الكويت، بل اهتمامها منصبٌ على نشر التخريب والدمار، ولن ينجو العراق وتنتهي معاناة الكويت إلا بتشريعاتٍ قويةٍ وتطبيقٍ صارمٍ يضمن النجاة وتوقف المعاناة.
أخيراً، فـ«الدين» و«الطائفة» و«المذهب»، أمور لا تحمي الإرهابيين. وكل محاولات الاختباء خلفها لا تنطلي على أحدٍ، وقد باتت الشعوب العربية واعيةً بهذه الأيديولوجيات المتطرفة، بغض النظر عن الأسماء الدينية التي تختبئ خلفها. 

كاتب سعودي