تشتد المواجهات العسكرية في محافظة مأرب وتتوسع رقعتها بين القوات الحكومية ومقاتلي التمرد الحوثي، وتتكشف معالم حرب استنزاف هدفها الرئيسي الإنهاك. لكن حتى وإن قادت إلى انتصار أحد الأطراف، فسيكون المنتصر أمام معركة استنزاف جديدة، حيث أدت المعارك إلى مقتل الآلاف، وهو ما يشكل مصدر قلق دولي بإمكانية وقوع كارثة إنسانية، علماً بأن مخيمات مأرب استقبلت نحو مليونين ومئتي ألف شخص منذ تصعيد الحوثيين عملياتهم العسكرية بالمنطقة في فبراير الماضي. وتصاعد القتال بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي بعد أن أطلقت الأخيرة عمليةً عسكريةً للسيطرة على مركز المحافظة، أي مدينة مأرب التي تضم مقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش اليمني، إضافة إلى حقول ومصفاة صَافِر النفطية، فحاصروها في محاولة للسيطرة عليها بالكامل، وهي آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال البلاد، حيث تشتد المعارك على الأرض. ويحاول الحوثيون التقدم باتجاه المدينة الغنية بالنفط والغاز، من جهة الجنوب، بينما يتركزون في جهتي الشمال والشرق عقب السيطرة على مديريات الجوبة وجبل مراد والعبدية وحريب. وتمثل السيطرة على مأرب هدفاً استراتيجياً ذا أهمية سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة في الصراع، وبمحاولتهم الرامية إلى احتلال مأرب، يسعى الحوثيون إلى استكمال احتلالهم لمحافظات الشمال كافة.
واليوم قد تكون مأرب الفصل الأهم في حرب اليمن، فإذا كان الحوثيون يستميتون في معركة مأرب فلأنها تمثل أهمية استراتيجية في إدارة الصراع حال الوصول إلى حل تفاوضي بشروط معينة. أما بالنسبة للحكومة الشرعية فإن معركة مأرب مسألة بقاء وجودي. لذا يَطرح عنفُ المعارك القائمة البعدَ الإنساني للأوضاع على الأرض، فبعد سنوات من الحرب، أصبحت مأرب ملجأً رئيسياً للنازحين الآتين من مناطق سقطت تحت سيطرة الحوثيين. وتهدد موجة العنف الحالية حياة هؤلاء النازحين المدنيين في المدينة. لذا أصدرت الدول الأجنبية والمنظمات الدولية تحذيرات متواصلة بشأن كارثة إنسانية وشيكة ستنتج عن المعركة المحتدمة في مأرب، وطالب هانس غروندبرغ المبعوث الأممي الجديد لليمن، في 10 سبتمبر الماضي، الحوثيين بوقف هجماتهم، كما دعا مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه الـ15، في 29 سبتمبر الماضي، إلى «وقف التصعيد» في اليمن من كل الأطراف، بما في ذلك وضع حد فوري لهجوم الحوثيين على مأرب، مندداً في الوقت ذاته بما سماه «تجنيد الأطفال واستخدام العنف الجنسي في النزاع»، في إشارة إلى التهمة المؤكدة بحق الحوثيين.

والحقيقة أن الطرفين يتقاتلان في مساحة من الصعوبة تجاوزُها، وتتوقف على نتائج معركتهما في مأرب رهانات عدد من القوى اليمنية والدولية، وحتى اليوم لا هزيمة في هذه الجبهة ولا انتصار في الجبهة الأخرى، إذ تبدو الحرب كعملية استنزاف في انتظار خلق حالة توازن تدفع الأطراف إلى اللجوء إلى حل سياسي تفاوضي، تسبقه بالطبع محاولات خلق واقع جديد تستند عليه القوى في مفاوضتها المستقبلية.
لكن واقعياً، ورغم المبادرات والمناشدات الإقليمية والدولية، لا يزال الحل السياسي في اليمن مستَبعداً، فالحرب مستمرة في ظل حقائق بدأت تتشكل لترسم خارطةً جديدةً لليمن، وذلك بوجود ثلاث قوى على الأرض: الحوثيون في الشمال، والحكومة الشرعية في الوسط، والمجلس الانتقالي في الجنوب.. تكاد تتقاسم الثروة والسلطة والجغرافيا، وتحاول تثبيت الأمر الواقع على ما هو عليه.


كاتبة إماراتية