منذ فجر البشرية ظهرت ضرورة وجود نظم تشريعية وتنفيذية وقضائية، واستقر الإيمان بالحاجة إليها في ضمير الغالبية، سواء على شاكلتها البدائية أم على حالها اليوم في دولة القانون. وتتنوع الاعتبارات التي تجعل من تلك النظم حاجة أساسية للإنسان، لعل أبرزها ضمان حقوقه وواجباته تجاه الآخرين بما يتوافق مع مصلحة الجميع.
والحقيقة أن معايير واحتياجات المجتمع ككل لا تتفق بالضرورة مع ما يرتضيه كل فرد على حدة فعلًا أو عُرفًا، ومن هنا انبثق مفهوم الجريمة والإصلاح. فهل من المعقول أن تمتُّع المرء بحقوقه الأساسية قد يُعد انتقاصًا من حقوق الآخر؟ 
الإنسان كائن اجتماعي بفطرته ولا يقوى على أن يعيش بمعزل عن غيره إلا في أضيق الحدود، فكل منا يسد احتياجات الآخر بطريقة ما، سواء على المستويات النفسية أو المادية. 
ولهذا بُني مفهوم المجتمعات على مبادئ صون الإنسان ومراعاته لأخيه، وبُني مفهوم الدولة على حقوق الإنسان، بينما يقدس المجتمع الدولي كرامته. وفي وطننا الإمارات، أولت القيادة الرشيدة للدولة أهمية كبيرة للإنسان منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
ومن هذا المنطلق يُعد المساس بالإنسان مساسًا بالمجتمع. نحن اليوم في عصر التمدن، عصر الثورة الصناعية الرابعة الذي تتزايد فيها المطالبات بحقوق الإنسان الآلي، فكيف بالإنسان الذي كرمه الله في كتبه السماوية؟
هناك مُتسع لحصول كل فرد على حريته وتلبية متطلباته، وبالتالي لا منطق في الاعتراف بلغة العنف. الإيذاء بأشكاله ليس لغة حوار أو وسيلة منفعة أو درباً للتقدم، لأنه على المدى الطويل يسلب المجتمع قيمته وجوهره الحقيقي، ألا وهو التآزر فيما بين البشر وبعضهم البعض. وقد درجنا منذ الصغر في ثقافتنا الإسلامية على الدعوات التي تدحض سوء المعاملة، لأن مصدر الأذى هو أشد من يتأذى عاجلًا أم آجلًا.
على هذا الأساس تأتي جهود دولة الإمارات على شتى الأصعدة، التشريعية منها والتنفيذية والقضائية، لفرض الالتزام باحترام منزلة المجتمع وصون جوهره الحقيقي، بما يضمن عملية تواصل وسبل انتفاع أخلاقية وبناءة.
ولأن كل فرد له دور محوري في مجتمعه، نسعى في دولة الإمارات على الدوام إلى دمج جميع الفئات في المجتمع. ففيما يخص أصحاب الهمم، على سبيل المثال، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، استراتيجية أبوظبي لأصحاب الهمم 2020-2024، بقيادة دائرة تنمية المجتمع.
وتأتي تلك الجهود إيمانًا بدور أصحاب الهمم وأهمية العمل بواجباتهم وحقوقهم. نظراً لأن تلك الفئة قد تكون معرضة للعنف النفسي أو الجسدي أكثر من غيرها عالمياً، لنقص الوعي بطبيعة كل حالة وإمكاناتها الحقيقية. فالانخراط في المجتمع والاستقلالية خطوة أساسية للمضي قدماً في التحول نحو مجتمع دامج، وخلق بيئة تتيح الوصول المتكافئ لأصحاب الهمم للحقوق والخدمات والفرص في جميع مراحل الحياة.
أما فيما يتعلق بالطفل، فقد أسس مشروع قانون وديمة لإيجاد نظم الحماية المثلى للطفل إلى أن يصبح بالغًا قادراً على الاعتماد على نفسه، بما يتماشى مع المواثيق الدولية. ويتمتع الطفل من خلال هذا القانون بجميع حقوقه، ويُجرّم القانون شتى أنواع العنف تجاه الطفل، بما يواكب تحديات العصر.
أما فيما يخص المرأة الإماراتية، فقد أصبحت الدولة نموذجاً يحتذى في تمكين المرأة بشكل عام، فقد شغلت 9 مقاعد وزارية، حيث تصل نسبة تمثيلها الوزاري في حكومة الدولة إلى 27.5% وهي من أعلى المعدلات العالمية. ومن الناحية الأكاديمية، تشكل المرأة حوالي 70% من خريجي الجامعات في الإمارات.
ومؤخراً تم إصدار قانون بإنشاء «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» وهي إضافة جديدة لمسيرة العمل الإنساني في الدولة وصرح جديد يعزز مكانتها كنموذج للمجتمع المتسامح الذي تصان فيه الكرامة والعدالة.
جميع الفئات المستضعفة قادرة على البذل والعطاء كما غيرها، والحالات التي عانت من العنف فيما سبق لديها الكثير لتقدمه ما إن تتخطى ماضيها، بالرعاية والتأهيل والتمكين. مع وجود الحلول السليمة، بإمكانهم أن يكونوا مصدر إلهام وسفراء لحقوق الإنسان. وفي الإمارات، أرض التسامح والخير، آليات النهوض بالإنسان آخذة في التطور باستمرار.

سارة إبراهيم شهيل*
*المدير العام لمركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء