ليس مفاجئاً الصراع الذي خرج إلى العلن قبل عدة أسابيع في جماعة «الإخوان». ظل هذا الصراع يتفاعل تحت السطح منذ إسقاط سلطة الجماعة في مصر، وتحديداً منذ أن بدأت مشاكل عدد متزايد من أعضائها الذين فروا إلى الخارج في الظهور والتراكم. وكان ازدياد هذه المشاكل بدايةَ مقدمات الصراع على القيادة في الخارج، بالتوازي مع فشل أهم انشقاق حدث في الداخل وقاده محمد كمال الذي كان عضواً في مكتب إرشاد الجماعة.
فقد اتُهمت القيادة المؤقتة التي آلت في آخر 2013 رسمياً إلى نائب المرشد العام محمود عزت، وفعلياً إلى المجموعة المرتبطة به في اسطنبول بقيادة الأمين العام محمود حسين، بالتقاعس أو عدم المبالاة تجاه تردي أحوال عدد متزايد من أعضاء الجماعة في تركيا. وبدأت المقارنات تُجرى بين حياة الترف التي ترفل فيها هذه المجموعة القيادية، وشظف العيش الذي يعانيه كثير من الأعضاء. 
وقاد تنامى الاستياء تجاه المجموعة التي تُدير الجماعة في الخارج إلى وضع قابل للانفجار في أي لحظة. وجاءت هذه اللحظة في أعقاب تولي إبراهيم منير الموجود في لندن موقع القائم بأعمال المرشد العام بعد القبض على محمود عزت في القاهرة في أغسطس 2020. فقد لجأ المستاؤون من أداء محمود حسين ومجموعته في إسطنبول إلى منير، بعد أن وثَّقوا شكاوى الأعضاء التي لم يُنظر فيها، مضافاً إليها ما يُفيد وجود فساد مالي وسوء استخدام أموال الجماعة التي كانت مودَعةً في الخارج، وصارت تحت تصرف محمود حسين ومجموعته في إسطنبول، ومعها التمويل الذي حصلوا عليه في السنوات الأخيرة. وعندئذ أصبح الصراع على الملأ، وبدأ الحديث عما أُطلق عليها مجموعتا إسطنبول ولندن، نسبةً إلى المكان الذي يوجد فيه رأس كل منهما.
لكن عندما نُمعن النظر في تكوين هاتين المجموعتين، نجد أنهما في الأغلب الأعم امتداد لاتجاهين كانا موجودين داخل جماعة «الإخوان» في مصر منذ ثمانينيات القرن الماضي. لم يكن الاتجاهان متصارعين أو متنافسين، بل متوازيين بعد أن حدث التمايز بينهما تدريجياً منذ عودة الجماعة إلى العمل العلني بموجب اتفاق مع حكومة الرئيس الراحل أنور السادات في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وبدأ الاتجاه الأول في التشكل مع انضمام شباب وطلاب إليها. وأخذ كثير منهم بعد ذلك طريقهم إلى النقابات المهنية، وانشغلوا بالعمل العام خارج الجماعة سعياً إلى تحسين صورتها ودعم نفوذها، في الوقت الذي ركز الاتجاه الثاني نشاطَه في داخلها من أجل الإمساك بمفاصلها الأساسية. وتكوّنت نواة هذا الاتجاه الثاني من بقايا أعضاء «النظام الخاص» أو الجهاز المسلح للجماعة في عهد حسن البنّا، وعلى رأسهم مصطفى مشهور ومَن كانوا شباباً في تنظيم الستينيات الذي قاده سيد قطب، وفي مقدمتهم محمد بديع ومحمود عزت، وأبرز الأثرياء ورجال الأعمال في الجماعة وأهمهم خيرت الشاطر.
وكان محمود حسين أحد أهم رجال هذا الاتجاه الثاني منذ أن استقطبه مصطفى مشهور في نهاية السبعينيات. ورغم أن إبراهيم منير ارتبط بتنظيم سيد قطب في الستينيات، فقد أبعده وجوده الدائم في لندن عن هذا التمايز. ولهذا فعندما حل محل محمود عزت في موقع القائم بأعمال المرشد العام، لجأ إليه عدد من كوادر الاتجاه الأول الذين تبنَّوا هموم الغاضبين على أداء مجموعة محمود حسين في إسطنبول، وتمكّنوا من كسبه، الأمر الذي يُحوّل الصراع الذي كان مكتوماً إلى معركة كبرى. فعندما يدخل المال وأطماعه على الخط، إلى جانب النفوذ ومُغرياته، تشتد ضراوة الصراع، وتزداد تداعياته التي ما برحت في أولها. 

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية