يعقد في مدينة جلاسكو الاسكتلندية منذ 31 أكتوبر الماضي مؤتمر «كوب 26» الذي ينبثق من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على كوكب الأرض، ويستمر حتى 12 نوفمبر الجاري. خلال القرن الـ21، أصبح النزوح البشري بسبب الكوارث وتغير المناخ أحد التحديات العالمية التي تؤثر على البلدان ذات الاقتصادات العالية أو المتدنية على حد سواء، وباتت التقلبات المناخية القاسية سبباً أولياً في إخلاء مناطق كثيرة على مستوى العالم لتنتقل الإشكالية المناخية إلى إشكالات ديموغرافية واقتصادية تستوجب المبادرات العاجلة واجتماعات مكثفة ومثمرة.

فعلى سبيل المثال، وبعد صيف من موجات الحر والجفاف وحرائق الغابات في أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا، أدت الفيضانات التي سببتها العواصف إلى عمليات إجلاء في أماكن عديدة مثل اليونان وكاليفورنيا خلال شهر أكتوبر الماضي فقط، ووفقاً لأرقام مراكز المراقبة والرصد للنزوح العالمي فهناك 54 مليون شخص عاشوا في حالة نزوح داخلي حتى نهاية عام 2020، وأكثر من 30 مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم وأراضيهم وتغيرت حياتهم ودخولهم بسبب تغير المناخ وتحولاته التي حالت بين الإنسان وبين التكيف مع البيئة، بل إنه من المتوقع -بحسب البنك الدولي- أن يجبر تغير المناخ أكثر من 200 مليون شخص في أنحاء العالم على النزوح الداخلي بحلول عام 2050، وستضاعف الأرقام خلال السنوات المقبلة في حال لم تتضافر الجهود الدولية لاتخاذ إجراءات فورية للتصدي لآثار تغير المناخ. في بداية عام 2021، وفي أستراليا تحديداً، وبعد انتشار الفيضانات التي تبعها موسم حرائق الغابات غير المسبوق في التاريخ المناخي لهذا البلد، أجبرت الظروف المناخية عشرات الآلاف من السكان على النزوح من مناطقهم. وكذلك الحال في الصين؛ فبالإضافة لتبعات الإعصار المداري «كومباسو» الذي خلّف سلسلة من المآسي الإنسانية عبر الصين وهونغ كونغ وماكاو والفلبين وتايوان وفيتنام..

فقد شرّدت الفيضانات أكثر من 330 ألف شخص في مقاطعات سيتشوان وشانشي في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الماضي، وكان أشرسها على الإطلاق ما حدث في شانشي (إحدى مقاطعات الصين) التي تعرضت لأسوأ فيضانات منذ بدء هطول الأمطار التي بلغ متوسط غزارتها 13 مرة أعلى من معدلها المعتاد سنوياً. والحال لا يختلف كثيراً في الهند ونيبال حيث تسببت الأمطار الغزيرة هناك، والناتجة عن الرياح الموسمية المتأخرة، في حدوث فيضانات وانهيارات أرضية شديدة، وفي نزوح ما يقدّر بنصف مليون شخص إلى معسكرات الإغاثة في ولاية البنغال الغربية في الهند.

وليست المنطقة العربية استثناءً من تقلبات المناخ والتغيرات التي طرأت عليه في السنوات القلية الماضية، حيث أدت عاصفة شديدة في البحر الأبيض المتوسط إلى دمار في الجزائر وتونس.مسألة المناخ ليست بالأمر الذي يمكن تجاهله أكثر من ذلك، فعطفاً على مخاوف مديرة مركز رصد النزوح الداخلي ألكسندرا بيلاك، فإن حجم النزوح في جميع أنحاء العالم هو بالتأكيد مدعاة للقلق، وكذلك الخطر الحقيقي المتمثل في أن الاحترار العالمي سيؤدي إلى أحداث مناخية أكثر تواتراً وشدة يمكن أن تقلب حياة الناس رأساً على عقب. ووفقاً للمركز ذاته فإنه من الصعب رسم صورة دقيقة ومتسقة للنزوح المرتبط بأحداث بيئية ومناخية بطيئة الحدوث بسبب النطاق الواسع للظواهر المناخية وأنواع التأثيرات التي تحدِثها والمناطق التي تؤثر فيها.

هناك مناطق كثيرة في العالم عرضة للتغيرات المناخية على المدى القريب والبعيد، وهناك صياغات غير مطمئنة لبيانات المؤتمرات الخاصة بالمناخ والاحتباس الحراري، ومع ذلك لم تتعهد بعض الدول تعهداً ملزماً بالتخلي عن الفحم ومعالجة النفايات الصناعية وتقليص الانبعاثات الغازية كغازي الميثان وأكسيد النيتروجين وغيرهما، بالإضافة إلى إزالة الغابات وحرق الوقود الأحفوري.. حيث ساهمت هذه الأنشطة معاً في زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون بأكثر من الثلث منذ بدء الثورة الصناعية، مما أدى بشكل مباشر إلى تفاقم عملية الاحتباس الحراري التي أدت بدورها إلى كوارث مناخية تعد أكبر مهدد لحياة البشر على الكوكب، مع العلم بأن الكوارث التي نجمت عن الأخطار المتعلقة بالطقس وأعداد النزوح البشري القسري التي أسفرت عنها تلك الأخطار تَفُوق بثلاثة أضعاف العدد الناجم عن عنف الصراعات والحروب المسلحة!

*كاتبة سعودية