فشلت السياسة على مدى السنوات الماضية في إيجاد حلول للقضايا الملتهبة في شرقنا العربي، وتحولت انتفاضات إلى معارك دموية من دون جدوى، وبدل أن تحقق الانتفاضات تقدماً للبلاد تحولت إلى خراب ودمار.

ومع أن النظام العربي فقد هيبته جزئياً في بعض البلدان العربية التي انفجرت أوضاعها، فإن القوى المنتفضة لم تستطع إحداث التغيير الذي تريده. أما البلدان العربية التي كانت بمنأى عن هذا الطوفان الكاسح، فهي التي ظلت توفر لسكانها حياة كريمة، وقد تجاوزت مجتمعاتها البحث عن الكفاية إلى البحث عن الرخاء، فضلاً عن توفير قضاء عادل وتنمية مستدامة صاعدة، وهذا ما لم تتمكن «دول الانتفاضات» من استلهامه، مع أنها تملك الإمكانات لتحقيقه. واخترعت بعض الحكومات قبيل انهيارها سرديات لتجهيل الأسباب الحقيقية للانفجار، ودعمت ظهور حركات إرهابية كان هدفها توجيه البوصلة بعيداً عن القراءة العميقة للحدث، ومن ذلك ظهور «داعش» التي تمت دعوتها لغرض معروف، كما ظهرت عشرات الميليشيات الطائفية التي تتستر بالإسلام وترفع رايات الدين، وهي تماثل «داعش» أيديولوجياً، على غرار «حزب الله» اللبناني الذي انكشفت حقيقة أهدافه وكونه يتبنى مشروعاً للسيطرة على الأمة العربية.

والأمر ذاته حدث في اليمن حين ظهر الحوثيون بعمائم إيرانية، ليحولوا الصراع ضد الفساد إلى صراعات مذهبية لمنع انتصار الحلول السياسية العقلانية التي استعادت مفاهيم الشرعية بجهد سياسي خليجي بالأساس يحفظ مستقبل اليمن وينجيه من تداعيات الحرب والفوضى.

أما في لبنان فتمكّن «حزب الله» هناك من السيطرة الكاملة على الدولة والشعب، وحوّل لبنان من بلد يصدِّر الثقافةَ والفن وآفاق الحرية إلى بلد يصدّر المخدرات، ويغزو بها عقول وصحة الشباب العرب في المنطقة. ويزعم هذا الحزب أنه يقاوم إسرائيل، مع أن كل ممارساته توضح أنه يقاوم العروبة لصالح مشروع خارجي.

والمفجع أن الحروب الداخلية التي تلت الانفجار استدعت تدخلات دولية، تضاربت فيها مصالح الدول، وهي اليوم تهدد المنطقة وتعطل مساعي الحلول السياسية، بل بات متوقعاً أن تندلع شرارة الحرب في الشمال السوري بسبب تدخلات دول تحشد قواتها وتستعد للمواجهة، مع أن الحلول السياسية قادرة على منع ويلات حروب سيكون الشعب السوري ضحيتها ولا مهرب له منها، ولا فائدة يجنيها كائناً من كان المنتصر.. فكل ما يحتاجه الحل السياسي هو عقد اجتماعي جديد وبنْية رسمت رؤيتها قرارات الأمم المتحدة، وما تزال كل الدول تعتمدها، وهي القادرة على فرض الاستقرار في سوريا وفي محيطها كله. وغياب القدرة على الوصول إلى تحقيق الحلول السياسية يجعل الحروب المؤجلة قيد الانفجار مجدداً.

ولتفادي هذا الانفجار المؤجل يتعين السعي السياسي الدولي لمنع مشروعات التوسع الخارجية في المنطقة، والخروج من الحقد التاريخي على العرب. ومن المعيب أن تتصارع أمم المنطقة في القرن الحادي والعشرين بدوافع وحيثيات من القرن السابع الميلادي. لقد آن الأوان للبحث عن المشتركات مع دول الجوار، وعن المصالح المشتركة.

*وزير الثقافة السوري السابق