قبل أن يرِد في إعلان المبادئ الذي اعتمدته «اليونسكو» في عام 1995 أن التسامح يعني «الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثريّ لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا»، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أنموذجاً فريداً في تجسيد كل معاني التسامح وممارساته، بتبنّيها قاعدة رئيسية أسّس لها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تقوم على جعل الإمارات الحضن الدافئ الذي يضم بين حناياه جنسيات يفوق عددها الـ 200، وتتنوع أطيافها بين أديان ولغات وأعراق متعددة، جميعها تعيش في وئام وسكينة، وتحظى بالتقدير، وتنعم في جوٍّ من التفاهم والتسامح والمساواة.

ويأتي احتفال دولة الإمارات باليوم الدولي للتسامح، في الـ 16 من نوفمبر من كل عام، مناسبة ملهمة، فالتسامح قيمة تستحق أن يواصل جميع البشر مساعيهم النبيلة لتعزيزها بالسلام والتضامن فيما بينهم.

والتأكيد أن التسامح يعني التسليم بالحقوق والحريات الأساسية للجميع من دون استثناء، لكونه الخطوة الأولى التي تضمن بقاء المجتمعات المتعايشة مع بعضها بعضاً في كل بؤرة من بؤر العالم، ذلك أن التنوع وقبول الآخر يمثّلان عاملَي إثراء لا عاملَي انقسام، والاختلاف في النهاية هو ميزة وضرورة للتقدّم وتبادل الرؤى والتطلعات، وخزان لانطلاق الأفكار والتجارب، الذي من خلاله تنطلق المجتمعات نحو مزيد من التطور والحداثة والتنمية.

وإن كان يحق لدولة الإمارات أن تحتفل بهذه المناسبة أكثر من غيرها، فذلك لأنها أعلَت حقيقة من قيم التسامح، وحولّت العلاقة بين المختلفين في انتماءاتهم كافة إلى إخوة في الإنسانية، وما توقيع فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، «وثيقة الأخوّة الإنسانية» في أبوظبي، قبل سنوات قليلة، إلا واحد من أمثلة عديدة على مساعي قيادتنا الرشيدة نحو تأصيل التسامح وجعل البشرية على سوية واحدة لا يفرّقها شيء، وإنما تجمعها أشياء كثيرة.

لقد تحولت دولتنا، وبفضل حكمة قيادتنا وعمق رؤيتها التي استشرفت المستقبل المستدام للأجيال، إلى أيقونة عالمية في جمع الناس من مختلف الثقافات والحضارات والأديان، كلهم يعيشون ويعملون تحت مظلة من القوانين لا تفرّق بينهم، يسعون جاهدين إلى تطبيق «إرث زايد» الأخلاقي ونزعته الإنسانية، والبناء على ما تأسس من قواعد في نبذ التطرف والتمييز، وتحقيق ما يطمح إليه قادتنا في تعزيز التقارب والاعتدال والتسامح، وخلق قنوات للتواصل مع الآخر المختلف، تعزيزاً للسلام والتعددية والأمان، ومواجهةً للكراهية والعصبية والعنف.

*عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية