في 23 سبتمبر 1997، ألقى «جيمس د. وولفنسون»، رئيس مجموعة البنك الدولي، كلمة موجهة إلى مجلس محافظي البنك الدولي بدأها في تهنئة الصين على نجاحها المبهر في توفير الأمن الاقتصادي، قال في بدايتها: «لقد كان نجاح الصين باهراً حقاً. فقبل أقل من جيل واحد، كان ثمانية من كل عشرة صينيين يكدحون لكسب أرزاقهم عن طريق فلاحة الأرض مقابل أقل من دولار واحد في اليوم للفرد.

ولم يكن واحد من كل ثلاثة بالغين يستطيع القراءة أو الكتابة. ومنذ ذلك الحين، تم انتشال أكثر من 200 مليون شخص من براثن الفقر المدقع وهبطت نسبة الأمية إلى أقل من واحد من بين كل عشرة أشخاص. الصين هي أكبر بلد مقترض من البنك، وهي واحدة من أهم الدول المساهمة فيه، وتضم أكثر من ربع المتعاملين الذين نخدمهم، ويسرني أن الشراكة بيننا مستمرة في التوطد».
أكدّ «وولفنسون» أن الناس وإنْ اختلفت أعراقها وألوانها ولغاتها وطبقاتها، فإن الوطن الذي يجمعهم يجعل بينهم قاسماً مشتركاً، وهو أنهم لا يريدون إحساناً، بل يريدون فرصة. إنهم لا يريدون حلولاً تُفرض من الخارج، بل يريدون فرصة للبناء من الداخل. إنهم لا يريدون ثقافتي أو ثقافتكم. بل يريدون ثقافتهم.

إنهم يريدون مستقبلاً يثريه إرث ماضيهم، قال: «تعلمت أن الناس متشابهون أينما كانوا - هنا في هذه القاعة وفي كل أنحاء العالم. إننا جميعاً نريد أفضل الأشياء لأطفالنا ولأسرنا. وإننا جميعاً نريد السلام والأمن الاقتصادي والمادي. وإننا جميعاً نريد العيش في مجتمع مساند لنا. إننا جميعاً نريد الكرامة الشخصية».
يحتاج الأمن الاقتصادي إلى مواجهة الطائفية والعنصرية والعدل مع الأقليات العرقية، وتشجيع وتعزيز الحصول المتكافئ على منافع التنمية، بغض النظر عن الجنسية أو العنصر أو الجنس، بالمساواة والإنصاف، لتحقيق أفضل عدالة اجتماعية ممكنة، والتي تحقق بدورها مجتمعات آمنة مستقرة.
تحديات الأمن الاقتصادي تحتاج رفع المؤشرات الاجتماعية كتخفيض أعداد الفقراء بأي ثمن، وازدهار الحرية وإيجاد منظومات ثابتة وراسخة للمسنين وكبار السن وأصحاب الهمم، والمؤشرات الاقتصادية كنمو إجمالي الناتج المحلي وبذل الجهود لتعزيز التجارة والاستثمار وتحسين القدرة على المنافسة، وتوسيع نطاق الفرص الاقتصادية.

ومكافحة التضخم وتكافؤ فرص الحصول على التعليم وكذلك استحداث وظائف للمتعطلين عن العمل وتدريبهم وتأهيلهم، والخدمية كالمساواة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية والتحول الرقمي الشامل والأمنية بمكافحة الجريمة والعنف المرتبط بالمخدرات، والمؤشرات الصحية بوضع استراتيجيات حديثة وخطط فاعلة للرعاية الصحية والاستفادة من برامج تنمية الطفولة المبكرة، وتحقيق الأمن البيئي، ستدفع هذه العوامل نحو الأمن الاقتصادي وبالتالي تحقيق السلام الاجتماعي.
استتباب الأمن الاقتصادي يحدث تغييراً جذرياً في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وكما تحولت دول كثيرة من دول نامية إلى دول متقدمة بسبب توفر الأمن الاقتصادي، فإن الفرصة متاحة لدول نامية في الشرق الأوسط تحتاج إلى ذلك التغيير، بأن تبدأ على جناح السرعة الاستثمار في مواردها البشرية والطبيعية ووضع السياسات الصحيحة الناجحة والمجربة عالمياً وتنفيذها من خلال التنظيم والإشراف الجيد لمواجهة تحديات الأمن الاقتصادي، وتتضمن أهدافها رفع مستوى المعيشة وتغذية عمليات التنمية ومكافحة الفساد وتحقيق النمو والعدالة الاجتماعية، وكذلك تضمن جذب الاستثمارات المحلية والإقليمية والدولية التي تهتم بتوفر الأمن الاقتصادي والسلام الاجتماعي.
قدمت الإمارات، في سنوات قليلة نموذجاً عالمياً في الأمن الاقتصادي، ولم تتوقف الإرادة السياسية الإماراتية عند نجاح نموذجها، بل راحت تفكر في إقليم الشرق الأوسط، من أقصاه إلى أقصاه، تبث روح السلام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتبحث عن شركاء يقدرون مستقبل المنطقة، فبدأت بمحاكاة أصحاب المصلحة من الدول التي تعي وتدرك وتسعى لتحقيق الأمن الاقتصادي، وضاعفت من جهودها لتحقيق ذلك ليس مع الهيئات الحكومية، بل مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، بالتعاون مع الهيئات متعددة الأطراف كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.
ما يحتاجه الأمن الاقتصادي هو مواجهة الحقيقة وليس إنكارها، فسوريا اليوم مثلاً، على أعتاب لحظات تاريخية، وتحتاج كل دعم عربي وإقليمي ممكن لتعود وتقف على قدميها وتُنهي ما تبقى من خلايا الإرهاب، وتعود لإرساء منظومتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتحقق أمنها الاقتصادي وسلامها الاجتماعي الذي تفتقده منذ سنين.

*لواء ركن طيار متقاعد