أعطى مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا، الذي عُقد يوم الجمعة الماضي، دَفعةً جديدةً مهمةً للجهود المبذولة من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر، بدءاً من 24 ديسمبر المقبل.
ويكتسب هذا المؤتمر أهميته الخاصة من التوافق الدولي الواسع، الذي أتاح عقدَه في وقت بالغ الحساسية بالنسبة إلى العملية الانتخابية، وخاصةً بعد أن تحولت محاولات عرقلتها إلى حملات هجوم وتحريض ضدها، ودعوات إلى مقاطعتها يقف وراءها الخائفون من أن تُظهر نتائجُها حجمهم الحقيقي. ويعتمد بعض هؤلاء على وجودهم في المجلس الأعلى للدولة، الذي مازال موجوداً ضمن هيكل السلطة الانتقالية، الذي لم يُراجع منذ الاتفاق الذي أسفر عنه مؤتمر الصُخيرات عام 2015. فلم تنتبه الأمم المتحدة إلى ضرورة هذه المراجعة، بعد أن ثبت كيف أصبح ذلك الاتفاق، الذي عُقد في ظروف غير طبيعية، جزءاً من الأزمة وليس حلاً لها.
والمُتوقع أن تزداد مساعي من يحاولون إفشال الانتخابات، سواء عبر توتير الأجواء أملاً في خلق حالة قد تمنع إجراءها في اللحظات الأخيرة، أو عن طريق ممارسة ضغوط على الناخبين في بعض مناطق غرب ليبيا لمنعهم من التوجه إلى مراكز الاقتراع، واستخدام بعض الجماعات المسلحة المرتبطة بجماعة «الإخوان» وحزبها، أو بأطراف متحالفة معها، لهذا الغرض.
وربما يُعد هؤلاء العُدة لتوظيف جماعات مسلحة بأكثر من طريقة، سواء عشية يوم انتخاب الرئيس لإفساد المشهد الانتخابي، أو بُعيده للانقلاب على نتائج الانتخابات. ولهذه الجماعات نفسها مصلحة في ذلك، لأن مَن يستخدم سلاحاً غير شرعي لا يقبل أي تطور يقود إلى تجريده من هذا السلاح عندما توجد سلطة شرعية مُنتخبة.
ويُمكن تصور سيناريوهين مُحتملين في هذا المجال. الأول أن تحدث محاولة للانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية، حال الفشل في عرقلتها، بشكل فوري عقب إعلان هذه النتائج. والثاني إرجاء هذه المحاولة حتى إجراء الانتخابات البرلمانية المرجَّح أن تكون في يناير المقبل، أملاً في أن تأتي بمجلس تُتيح تركيبتُه للخائفين منها عقد اتفاقات وتحالفات تُمكنهم من التأثير في مسار العملية السياسية بدرجة أو أخرى. ونظراً لأن هذا احتمال ضعيف في ضوء المُعطيات الراهنة، يبدو السيناريو الأول هو الأكثر احتمالا.
غير أن مهمة الساعين إلى عرقلة إجراء الانتخابات أو الانقلاب على نتائجها ليست سهلةً بأي حال. التوافق الدولي الواسع على ضرورة إجراء الانتخابات، وإنهاء مرحلة انتقالية قلقة صارت مُحمّلة بمخاطر أكثر من ذي قبل يُصعِّب هذه المهمة.
والتجاوب الشعبي الواسع مع الإجراءات التي اتخذتها، ومازالت، المفوضية العليا للانتخابات يضعهم في مأزق. ظهر هذا التجاوب، أول ما ظهر، في الإقبال على التسجيل في جداول الناخبين، حيث سُجل ما يقرب من ثلاثة ملايين ناخب على المنصة الإلكترونية للمفوضية. كما ظهر التجاوب، ثانياً، في إسراع عدد متزايد من الليبيين إلى تقديم طلبات الترشح، منذ أن بدأت المفوضية العليا للانتخابات في تلقي هذه الطلبات في 8 نوفمبر الجاري، في فروعها بمختلف أنحاء البلاد بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية، وفي فروعها الرئيسة في طرابلس وبنغازي وسبْها بخصوص الانتخابات الرئاسية.
وهكذا، دخل الاستحقاق الانتخابي المصيري بالنسبة للشعب الليبي في مرحلة الاختبار النهائي، في ظل مؤشرات تُفيد بأن مركز من يعملون لإجراء الانتخابات أقوى من أولئك الذين يحاولون عرقلتها ويُعدون للانقلاب عليها حال فشلهم في منعها. ولهذا تزداد مسؤولية المجتمع الدولي في ضمان الالتزام بمُخرجات مؤتمر باريس الأخير، ومؤتمرات ومنتديات عدة سبقته منذ مؤتمر برلين الأول في 19 يناير 2020، واتخاذ إجراءات عملية لحماية العملية الانتخابية والنتائج التي ستسفر عنها.


مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية