توجهت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إطار جهود إدارة بايدن لتهدئة العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا. وفي سبتمبر الماضي، تم إبرام اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، تحصل الأخيرة بموجبه على غواصات تعمل بالطاقة النووية. ونتيجة لذلك، ألغت أستراليا صفقة الغواصات التي كانت قد أبرمتها مع فرنسا. في ذلك الوقت، استدعى ماكرون السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، لكن بعد موجة من النشاط الدبلوماسي، عاد السفير فيليب إيتيان إلى واشنطن.
لم يفاجأ المراقبون القدامى للعلاقات الفرنسية الأميركية بالتصدع ولا بحله السريع. وكما ذكّرت الإذاعة الوطنية العامة المستمعين في سبتمبر، فإن «فرنسا هي أقدم حليف لأميركا». هذا صحيح، وبالتأكيد لم تكن الولايات المتحدة لتحصل على الاستقلال عن بريطانيا لولا الدعم الفرنسي. ومع ذلك، تميزت العلاقات بالخلاف والتباين منذ البداية.
بعد القتال ضد الفرنسيين في حرب السنوات السبع (1756-1763)، كان جورج واشنطن حذراً من الفرنسيين الذين توافدوا للوقوف إلى جانبه في الأيام الأولى للثورة الأميركية. وشكا واشنطن، في رسالة إلى الميجور ويليام هيث في 27 يوليو 1777، من «صعوبة توفير فرص عمل لعدد كبير من الغرباء، غير المطلعين على موهبتنا ولغتنا وعاداتنا». كانت واشنطن تواجه فائضاً من الضباط الفرنسيين الذين عبروا المحيط الأطلسي قبل أي اتفاق رسمي بين فرنسا والولايات المتحدة متوقّعين أن يتم الترحيب بهم.
لكنهم، بدلاً من ذلك، قُوبلوا بالرفض من قبل الجيش، وبالسباب من قبل السكان، وسرعان ما عاد الكثيرون إلى فرنسا وهم يحملون حكايات عن الجحود الأميركي.
نجح أحد الفرنسيين، وهو الماركيز دي لافاييت، في كسب ثقة واشنطن، إذ جعله حماسه وتفانيه حلقةَ وصل لا غنى عنها بين فرنسا والولايات المتحدة طوال حرب الاستقلال. عندما التقى الاثنان لأول مرة في مدينة تافرن بفيلاديلفيا في 31 يوليو 1777، شعر واشنطن بالارتباك لأن الكونجرس منح رتبةَ لواء لشاب يبلغ من العمر 19 عاماً وليس لديه خبرة في ميدان المعركة. لكن لافاييت أثبت همته. وأصيب في معركة برانديواين، وعانى خلال الشتاء القارس وقاد انسحاباً ناجحاً في بارين هيل. واعترف واشنطن للنائب جوفيرنور موريس، نيويورك: «أتمنى بشدة ألا يكون لدينا أجنبي واحد بيننا، باستثناء ماركيز دي لا فاييت، الذي يعمل وفقاً لمبادئ مختلفة تماماً عن تلك التي تحكم البقية». ومع ذلك، لم يستطع حتى لافاييت منع سوء الفهم والاعتزاز القومي من إفشال أول محاولة عمل عسكري فرنسي أميركي مشترك. عندما وصل الأدميرال الفرنسي تشارلز هيكتور ديستان إلى المياه الأميركية في 5 يوليو 1778، أحضر معه 12 سفينةً وأربع فرقاطات وثقة بأن مهاراته كانت أعلى من مهارات شركائه الجدد. وفي أغسطس، كان ديستان يتشاجر مع الميجور جنرال جون سوليفان حول مَن يجب أن يقود ومَن يجب أن يتبع في حملة برية وبحرية مخطط لها ضد البريطانيين في نيوبورت.
واتفقا في النهاية على أن تهاجم القوات البرية بقيادة سوليفان والقوات البحرية بقيادة ديستان في وقت واحد. لكن سوليفان، عندما علم أن البريطانيين يتخلون عن مواقعهم، جعل رجاله يتقدمون قبل إخطار ديستان. وانتهز ديستان الفرصة للإبحار من الميناء والانخراط مباشرةً مع الأسطول البريطاني، تاركاً الأميركيين مع القليل من الدفاع البحري. وأثارت عاصفة مفاجئة مزيداً من الارتباك، حيث أعاقت تقدم سوليفان وضربت السفن الفرنسية التي وجهها ديستان إلى بوسطن لإجراء إصلاحات. ظل التباعد بين ديستان وسوليفان لأسابيع، واتهم كل منهما الآخر بالجبن ونكران الجميل.
وفي رسالة إلى هنري لورينز، رئيس الكونجرس القاري، شكا سوليفان من رحيل ديستان وقال إن ذلك «أحيا كل التحامل القديم ضد صدق الفرنسيين»، وقال لديستان إن «تخلي الأسطول الفرنسي عن حلفائه يلحق الضرر بشرف الأمة الفرنسية».
استاء لافاييت نيابةً عن مواطنيه. وكتب لواشنطن أن سوليفان وآخرين «نسوا أي التزام وطني» تجاه الفرنسيين «وجن جنونهم عند رحيلهم، وتمنوا لهم كل شرور العالم». كان لافاييت يعني ديستان، واصفاً الجنرالات الأميركيين بأنهم «يعللون غباءَهم من خلال إلقاء اللوم على الأسطول الفرنسي».
واستخدم واشنطن كل المهارات الدبلوماسية لإنقاذ التحالف الأميركي الفرنسي الناشئ، معتمداً على العلاقات الشخصية، وذكّر الجانبين على حد سواء بأن هدفهم المشترك، متمثلاً في هزيمة البريطانيين، كان أكثر أهمية من الاختلافات التي تفرّقهم. وبحلول نهاية أغسطس، سادت روح التعاون، وكان التنسيق الدقيق بين فرنسا وأميركا من شأنه أن يؤدي إلى النصر في الحرب الثورية.
بيد أن تلك الصداقة لم تدم طويلاً. لقد تميزت رئاسة جون آدامز بمثل هذا العداء بين فرنسا والولايات المتحدة لدرجة أن الفترة شهدت «شبه حرب». بدأت فرنسا في الاستيلاء على السفن التجارية الأميركية بعد أن أصابها الفقر والعزلة بسبب سنوات من الصراع الداخلي والخارجي. وتأثرت بتوقيع معاهدة جاي عام 1795، التي أعادت العلاقات الودية بين الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. كان الأميركيون قلقين للغاية على سلامة السفن لدرجة أن الكونجرس أنشأ وزارة البحرية في 30 أبريل 1798 لحمايتهم. وعلى أمل تحسين العلاقات، أرسل آدامز مبعوثين إلى فرنسا، لكن المهمة مُنيت بفشل ذريع، وشعروا بالإهانة بسبب المطالب الفرنسية بالرشاوى وعادوا إلى بلادهم على الفور. استمرت الأعمال العدائية حتى عام 1800.
وفي عام 2003، كان بعض أعضاء الكونجرس غاضبين جداً من معارضة فرنسا للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. من وجهة نظرهم، جاء الجنود الأميركيون لإنقاذ فرنسا في حربين عالميتين، وبالتأكيد يجب أن تدعم فرنسا الولايات المتحدة بعد هجمات عام 2001.
الآن بعد أن عاد سفير فرنسا إلى مقر إقامته الدبلوماسي في العاصمة، ربما سيجد الراحة في صورة لافاييت المعلّقة على جدار منطقة الاستقبال في الطابق الأرضي، وهو يراقب بصمت العلاقة الفرنسية الأميركية التي ما تزال وثيقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»