استوقفتني كثيراً المذكرة التي طرحت في البرلمان الأوروبي، شهر أكتوبر الماضي، المتضمنة عدة أسئلة وجهها 31 نائباً أوروبياً حول علاقة المؤسسات الأوروبية بتنظيم «الإخوان» الإرهابي، والتي جاء في نصها: «في 29 سبتمبر 2021 كشف تقرير صحفي عن أن هناك علاقات وثيقة بين المؤسسات الأوروبية و(الإخوان)، رغم أن هذا التنظيم يدعو إلى الهجمات الانتحارية، وأن جماعة (الإخوان) تتلقى الكثير من الدعم والإعانات غير المباشرة من المؤسسات الأوروبية».

والأهم من جميع أسئلة النواب قاطبة هو ما كتبته النائبة الفرنسية جولي ليشانتوكس على «تويتر» تعليقاً على مذكرة المفوضية الأوروبية، محذرةً من تمويل الجمعيات الإسلامية القريبة من جماعة «الإخوان» بالمال العام الأوروبي.

كتبتُ في مقال سابق بأن جماعة «الإخوان» في أوروبا تستخدم قوانين الهجرة الأوروبية المرنة وفق أجنداتها الخفية وأنشطتها التوسعية وتوثيق ترابطاتها الحزبية في عدة دول غربية، كتنظيم عابر للحدود، وتمتد تلك الترابطات إلى بعض الأقطار العربية وأميركا وكندا وأوروبا، منذ أن بدأت هجرة الجماعة وتأسيس التنظيم الدولي على يد سعيد رمضان (صهر «حسن البنا») في خمسينيات القرن الماضي، وبعد ثورة 30 يونيو في مصر أصبحت الجماعة تدار من الخارج على يد إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد الذي يمارس نشاطه الحزبي ويترأس الجماعة من لندن.

وكتب من هم أكثر مني إطلاعاً ورصداً وبحثاً حول جماعة «الإخوان» وخطر الترسانة المدنية التابعة لها في الغرب بعد أن لفظتهم دول المنطقة العربية، ما يعني أن أنشطة الجماعة قد حُلت فعلياً وبشكل حاسم في الدول العربية، خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية. لقد أدركت معظم الدول العربية خطورة جماعات الإسلام السياسي وتخلصت منها باجتثاثها نهائياً، بخلاف ما تفعل بعض دول أوروبا التي ما تزال تبحث وتعقد المؤتمرات وتناقش الموضوع، مع العلم أنها اكتوت بإرهاب جماعات الإسلام السياسي وكشفت الكثير من عملياتها!

ومما جاء في مذكرة المفوضية الأوروبية حول أنشطة «الإخوان» عدة أسئلة تستحق التوقف، ليس لأهميتها، بل تعجباً من بطء الإجراءات الأوروبية في اتخاذ السبل الأسرع لحظر هذا التنظيم وطرد كوادره حماية لكياناتها وشعوبها. ومن هذه الأسئلة: هل تقر المفوضية بعلاقة «منتدى المنظمات الشبابية والطلابية الأوروبية المسلمة» بجماعة «الإخوان»؟ وهل تعترف المفوضية بأنها أخطأت بدعوة هذا المنتدى لمؤتمر شبابي أوروبي؟

وكيف تبرر المفوضية المِنح «المالية» الممنوحة لهذا المنتدى ومنظماته؟ وعلى الرغم من هزالة الأسئلة مقابل الخطر الذي يتربص بالدول الأوروبية والمعلومات الواضحة حول دعوة التنظيم الإخواني إلى الهجمات الانتحارية وتخطيطه لها.. فإن المفوضية الأوروبية لم ترد بعد على هذه الأسئلة، بل ما تزال تعتمد فرع «منظمة الإغاثة الإسلامية» بألمانيا كشريك إنساني للفترة بين 2021 و2027، وقد دعمتها سابقاً بـ 712 ألف يورو على شكل منح متفرقة (حسب صحيفة «دي فيلت» الألمانية)، والمفوضية على علم بتقييم الحكومة الألمانية الصادر بين عامي 2017 و2019 حول العلاقات الشخصية لبعض ممثلي المنظمة في ألمانيا بكوادر ورموز من «الإخوان»!

كتب الكثيرُ من الباحثين العرب عن خطر التمأسس الإخواني في أوروبا، وحذَّر الكثيرُ من البرلمانيين الأوروبيين من مغبة التعامل مع الأحزاب الإسلاموية بحسب القوانين المدنية الدارجة، وشددوا على ضرورة وقف التعاطي معها، حمايةً للدول ودساتيرها وشعوبها.

ومن تلك التحذيرات ما جاء على لسان النائب البرلماني الألماني ستيفان تومي الذي شدد على ضرورة فرض رقابة أمنية على جماعة «الإخوان» قائلاً: إن مراقبتها أصعب من مراقبة عناصر التنظيمات الإرهابية الأخرى، مثل «داعش» و«القاعدة»، باعتبار أن التنظيمين الأخيرين يخططان في الخفاء ويعملان في العلن لضرب المصالح الألمانية ونشر الإرهاب، خلافاً لجماعة «الإخوان» التي تظهر عكس ما تبطن وتعمل وتخطط في دهاليز مظلمة وقنوات خفية، ثم تنفذ وتشجب!

*كاتبة سعودية