من الخطأ النظر إلى التوحد على أنه مرض واحد، حيث إنه في الحقيقة طيف واسع من الاضطرابات، تتشارك جميعها في الصعوبة التي يواجهها الشخص في التفاعل الاجتماعي وفي التواصل مع الآخرين.

هذا بالإضافة إلى سلوك وأفعال لا نمطية، مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر، وفرط التركيز على التفاصيل، ورد الفعل المبالغ فيه تجاه المثيرات الحسية. وفي الوقت الذي قد تظهر بعض صفات التوحد في مراحل الطفولة المبكرة، إلا أنه غالباً ما يتم التشخيص بالإصابة في مراحل متأخرة.

وكثيراً ما يعاني المصابون من اضطرابات أخرى في نفس الوقت، مثل الصرع، أو الاكتئاب، أو القلق المفرط، أو اضطراب فرط النشاط ونقص التركيز، وأحياناً اضطرابات نفسية شديدة، مثل الأرق المزمن وأذية النفس. وتتباين القدرات الذهنية للمصابين بالتوحد بشكل كبير، بداية من الإعاقة العقلية الشديدة، وصولاً إلى التمتع بأعلى مستويات القدرات الذهنية

. وبناءً على هذا التنوع، تتباين أيضاً قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد، كما أن تلك القدرات والاحتياجات تتغير بمرور الزمن. ففي الوقت الذي يمكن لبعض المصابين الحياة بشكل مستقل، هناك البعض الذي يعاني من إعاقات شديدة، تتطلب الدعم والرعاية مدى الحياة، كون التوحد الشديد يترك أثراً عميقاً على التعلم والتحصيل الأكاديمي، وعلى فرص العمل والتوظيف، وهو ما يضع عبئاً هائلاً على الأسْرة وعلى الأفراد القائمين على رعاية المصاب. وهو ما يجعل من النظرة الاجتماعية، ومستوى الدعم الذي تقدمه المؤسسات المحلية والوطنية، عواملَ فائقة الأهمية في تحديد نوعية الحياة التي يحياها المصابون بالتوحد ضمن المجتمع.

ويقدر حالياً أن واحداً من بين كل 160 طفلاً حول العالم مصابين بطيف اضطرابات التوحد، وهو ما يمثل متوسطاً ليس إلا، حيث تتعارض الدراسات والإحصائيات المختلفة ضمن مدى واسع، في تقديرها لمعدلات ونسب انتشار هذه الحالة، بل إن بعض الدراسات المرموقة خرجت بأرقام ونسب أعلى بكثير من ذلك المتوسط. ويظل الحجم الحقيقي لانتشار التوحد بين أطفال الدول الفقيرة والدول متوسطة الدخل مجهولاً لحد كبير حتى الآن.

أما عن السبب أو الأسباب، فتشير الأدلة العلمية إلى أن هناك عوامل عدة، تزيد من احتمالات إصابة الطفل بالتوحد، منها عوامل بيئية، وأخرى وراثية. وإن كانت البيانات الإحصائية، لا تظهر وجود أي علاقة سببية بين التوحد وبين التطعيمات المستخدمة ضد أمراض الطفولة، وبالتحديد التطعيمات المستخدمة ضد فيروسات الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية. حيث ثبت بالدليل القاطع أن الدراسات التي أشارت قديماً إلى وجود مثل هذه العلاقة، كانت دراسات معيبة، لم تتبع النهج العلمي الثابت، ولم تستند إلى أية أدلة علمية مؤكدة.

*كاتب متخصص في القضايا العلمية والصحية