مبدأ حسن الجوار مبدأ قانوني وارد ضمن ميثاق هيئة الأمم المتحدة، سيظل من أهم مبادئ القانون الدولي لتحقيق السلام والأمن الدوليين في ظل تحولات متسارعة تشهدها خريطة الصراعات السياسية والأزمات الكونية، مثل جائحة كورونا والتغير المناخي والإرهاب الدولي متلون المقاصد والأهداف.

لقد تكبد العالم في هذه الجائحة 5 ملايين إنسان وفقد 55 مليون وظيفة حسب تقرير الأمم المتحدة، وبلغت خسائر الاقتصاد 15 تريليون دولار بحسب تقرير صندوق النقد الدولي، فيما تسببت ظاهرة التغير المناخي من جفاف في الأراضي وحرائق في الغابات في الأميركتين وأستراليا وأوروبا وشمال أفريقيا، وأعاصير وفيضانات مدمرة بشرق آسيا، ربما تصل خسائرها- حسب بعض الدراسات- إلى 23 تريليون دولار بحلول عام 2050.

كما تشكل ظاهرة الإرهاب العالمي قلقاً دولياً متزايداً نظراً لتطور أدوات تلك الكيانات الإرهابية وتسليحها وقدرتها على استخدام وسائل التواصل الإعلامية الحديثة المؤثرة على أفكار الشعوب ومعتقداتهم والمنطلقة من أيديولوجيات فكرية دينية متطرفة تتجاوز وتخترق سيادة الدولة الوطنية.

ولقد تفاعلت بعض سياسات الدول مع هذه الكيانات الإرهابية في تمرير بعض من سياساتها الرمادية، والتي لا تنسجم مع مبدأ تحقيق الأمن والاستقرار في هذا الكوكب. انطلقت حكومة دولة الإمارات في ترسيخها لمبدأ حسن الجوار من إرثها التاريخي والحضاري والإنساني، وكأحد أهم المبادئ العشرة التي تتبناها خلال الخمسين سنة القادمة، وذلك ضمن سياق سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية مع دول الجوار والعالم بأسره، منطلقة من عقيدة إنسانية راسخة مفادها أن تحقيق الأمن بمفهومه الشامل والعالمي لايتأتى إلا من خلال علاقات دولية ترتكز على مبدأ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وضمن هذا المبدأ استخدمت حكومة دولة الإمارات دبلوماسية المساعدات خلال فترة الجائحة، فكانت من أوائل الدول الداعمة للمبادرات الإنسانية خلال فترة جائحة كوفيد 19. شكلت تلك المساعدات التي قدمتها الدولة 80% من حجم الاستجابة الدولية للدول المتضررة خلال فترة الجائحة، بحسب التقرير الوارد من وزارة الخارجية والتعاون الدولي.1/7/2021 أسهمت حكومة دولة الإمارات في الحد من تضخم الظاهرة الإرهابية وتفشيها بالتنسيق والتعاون والرصد الاستباقي مع المجتمع الدولي والإقليمي لتتبع تلك الجماعات المتطرفة وبتر أطرافها وتجفيف منابع التمويل لها.

استعرضت الدولة جهودها الداخلية أيضاً من خلال مؤتمر جنيف للوقاية من التطرف العنيف سواء في المحور التشريعي بإصدار حزمة من التشريعات المعنية بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وأيضاً كذلك الجهد في المحور الديني والثقافي، من خلال دعم جهود إصلاح الخطاب الديني والثقافي من خلال دعم المؤسسات الدينية الوسطية إقليمياً وعالمياً، وأيضاً الجهد الإعلامي الاجتماعي باستخدام أدوات التواصل الاجتماعي، و«مبادرة تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة». نتائج قمة جلاسكو للتغير المناخي والتي حضرها نحو 200 دولة تظهر بجلاء غلبة المصالح الاقتصادية الآنية لدى بعض الدول والتكتلات، على المصلحة العالمية والإنسانية المشتركة في وقف التدهور البيئي الحاد، كما أشار إلية خبراء بيئيون واقتصاديون خاصة الدولة الصناعية الكبرى مثل أميركا والصين.

فمعضلة التوافق بين الالتزام بنسب الخفض المحددة من الانبعاثات وبين تحقيق الأهداف الاقتصادية والصناعية لتلك الدول تنذر بكارثة كونية نشهد ملامحها في هذا العصر. لماذا تم اختيار الإمارات لاستضافة قمة كوب 28؟

يشير معالي الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة إلى أن الإمارات أطلقت في عام 2017 استراتيجية الطاقة 2050 التي رسمت خريطة طريق عملية لجهودنا في مجال التحول في قطاع الطاقة، وهي مزيج متنوع يشمل مصادر الطاقة المتجددة والنووية والتقليدية مع ضمان المصالح الوطنية وتحقيق التوازن بين احتياجات النمو الاقتصادي والأهداف البيئية.

وختاماً إن الدولة الواعية والمدركة لطبيعة التحديات المستقبلية وآفاق تحقيق التنمية لديها مرتكزات مصالحها الوطنية تأتي ضمن إطار الأمن الإقليمي لدول الجوار في المصير الواحد وخط الدفاع الأول، وهذا يستند إلى لسمات هذا المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي.

*باحث في الشأن الأمني