يعيش آلاف المهاجرين أوضاعاً مأساوية في المنطقة الحدودية بين بيلاروسيا وبولندا في ظروف مناخية صعبة للغاية مع بدء فصل الشتاء. وكانت قد وصلت أعداد متزايدة من المهاجرين إلى بيلاروسيا قادمين بشكل رئيسي من العراق وسوريا وأفغانستان وتركيا وإيران، حيث وصلت الغالبية العظمى منهم عبر رحلات منتظمة بين العاصمة البيلاروسية مينسك وبعض بلدان الشرق الأوسط. وأظهرت تحقيقات المنظمات الحقوقية أن بعض الحالمين بالهجرة إلى أوروبا وصلوا إلى مينسك عبر شبكة من شركات السفر والمهرّبين الذين ينظمون رحلات جوية وتأشيرات دخول إلى بيلاروسيا، ومن ثم عبر بيلاروسيا إلى الحدود الأوروبية، حيث تسمح بيلاروسيا لمواطني 76 دولة بدخول أراضيها دون تأشيرة والإقامة فيها لمدة تصل 30 يوماً. وتتهم الدول الأوروبية بيلاروسيا بتسهيل هذه الرحلات من أجل خلق أزمة على طول الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي لكن بيلاروسيا تنفي هذه الاتهامات. فما حقيقة الأزمة المتفاقمة على الحدود البولندية البيلاروسية؟ وهل الحكومة البيلاروسية تحاول ابتزاز أوروبا بأزمة اللاجئين؟ ومَن يتحمل مسؤولية الأزمة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين؟ 
تصاعد التوتر على الحدود البيلاروسية البولندية بعد أن تحولت أزمة المهاجرين العالقين على الحدود من أزمة إنسانية إلى أزمة سياسية قد تتطور إلى أزمة عسكرية مع إصرار بولندا على عدم السماح لأي مهاجر بدخول أراضيها عبوراً نحو باقي دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وقامت بنشر 15 ألف جندي على طول الحدود لمؤازرة الشرطة والحرس الحدودي، وبعد أن هدد الاتحاد الأوروبي بفرض المزيد من العقوبات على بيلاروسيا. وكان الاتحاد قد فرض عدة حُزم من العقوبات رداً على ما اعتبره «حملة قمع عنيفة» شنها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو على الاحتجاجات ضد حكمه عام 2020، ويتهم الاتحاد بيلاروسيا بدفع المهاجرين نحو حدوده الشرقية لتقويض أمنه.. وهي اتهامات تنفيها بيلاروسيا جملةً وتفصيلا.
وقامت بولندا، في محاولة للحد من عمليات العبور غير القانوني لحدودها، ببناء سياج حدودي بعد تدفق آلاف المهاجرين الذين حاولوا طوال الأسابيع الماضية اقتحام الحواجز الحدودية، ولجأت الشرطة البولندية لتفريقهم بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، واتهمت بيلاروسيا بتدبير «هجوم غير مسبوق» على حدودها، وأعلنت في ديسمبر الماضي عن خطة لبناء جدار حدودي مع بيلاروسيا يمتد 180 كيلومتراً، لمنع أي محاولات تسلل نحو أراضيها. وتكثف دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، جهودَها لاحتواء الأزمة البيلاروسية البولندية، عبر الحوار مع كل من مينسك وموسكو. 
وطالبت منظمة الهجرة الدولية والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان مشترك، بحل عاجل لأزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وأكدت المنظمتان ضرورة ضمان سلامة المهاجرين وحقوقهم الإنسانية، محذِّرتَين من أن «استغلال المهاجرين واللاجئين كأداة لتحقيق غايات سياسية أمر مؤسف ويجب أن يتوقف». وشدد البيان على أن «الاستفادة من يأس المهاجرين واللاجئين وضعفهم من خلال تقديم وعود غير واقعية ومضللة، أمر غير مقبول وله عواقب إنسانية».
لكن حتى الآن لا يوجد حل سياسي لإنقاذ آلاف المهاجرين على الحدود، رغم مبادرة الحكومة العراقية بإجلاء العراقيين العالقين على الحدود والراغبين بالعودة الطوعية لبلدهم، وسيبقى الغالبية من اللاجئين عالقين على أسوار الحلم الأوروبي في مواجهة برد الشتاء القارس وانعدام الثقة والخوف من المستقبل.

كاتبة إماراتية